3- في قسمة القرحان المتعدّدة

المسألة الثالثة

(في قسمة القرحان المتعدّدة)

قال المحقق: «لو كان بينهما قرحان متعددة، وطلب واحد قسمتها بعضاً في بعض، لم يجبر الممتنع»(1).
أقول: لو كان بين الشريكين أملاك متعددة، مستقل بعضها عن بعض، بحيث يرى أهل العرف التعدد فيها والاستقلال ـ بخلاف ما إذا كان التعدّد ـ تعدّد الغرف في دار واحدة، فإن العرف يرى الملك واحداً ـ فالمشهور عدم جواز الإجبار على تقسيم بعضها ببعض، بأن تجعل قطعة من العقار في مقابل قطعة، بخلاف ما إذا كان الملك واحداً، فلا مانع من جعل غرفة في مقابل غرفة.
وهذا يكون في الدور المتعددة، والأراضي المتعددة، والدكاكين المتعددة، والحبوب المختلفة كالحنطة والشعير، أما في الثياب ـ مثلاً ـ فيجوز مع التعديل في القيمة.
وكلمات الأصحاب في عدم الإجبار هنا مطلقة، أي سواء أمكن تقسيم كلّ واحد على حدة أولا، وسواء كانت متجاورة أولا، وعن ابن البراج أنه قال: إذا استوت الدور والأقرحة في الرغبات قسمت بعضها في بعض. قال: وكذا لو تضرر بعضهم بقسمة كلّ على حدة جمع حقه في ناحية.
وفي (الجواهر) التأمل في تحقق هذه الشهرة، لكن الظاهر تحققها ـ كما في (المسالك) ـ ولم ينقل الخلاف في (المختلف) و (مفتاح الكرامة) إلا عن ابن البراج قدّس سرّه، نعم، نقل موافقته عن بعض متأخري المتأخرين كصاحب (المدارك)(2).
وأشكل في (الجواهر) فيه بأن ميزان التقسيم الذي يجبر عليه هو قاعدة إيصال الحق إلى صاحبه، فإن أمكن التقسيم لكلّ على حدة بلا ضرر، فالمتعين تقسيم كلّ واحد، ولا يجبر على تقسيم بعض ببعض، وإن لزم من ذلك ضرر أو لم يمكن أُجبر الممتنع، خلافاً للمشهور حيث منعوا عنه، وكان لازم منعهم بيع المال وتقسيم ثمنه كالجواهر الضيقة.
لكن وجه ما ذهب إليه المشهور هو: إنّ التقسيم عبارة عن تمييز حق كلّ من الشريكين عن حق الآخر بعد أن كان لكل منهما كلّي النصف، فإن كان الملك واحداً أمكن تقسيمه بالتناصف، وأما إذا كانا شريكين في مالين مختلفين عرفاً كالغنم والإبل مثلاً فإن قلنا لأحدهما: أعط حقّك من الغنم في مقابل حقّك في الإبل، كانت معاوضة ومبادلة عند العرف وليس تمييز حق عن حق.
وبعبارة أُخرى: إن أدلة القسمة منصرفة عمّا إذا كان الجزء المشاع متميزاً في الخارج عند العرف، وإن موردها هو المال المتحد وان كان له أجزاء متعددة كالدار المحتوية للبيوت المتعددة.
فهذا وجه ما ذهب إليه المشهور، وما ذهبوا إليه هو الأظهر.
قال المحقق: «ولو طلب قسمة كلّ واحد بانفراده أُجبر الآخر، وكذا لو كان بينهما حبوب مختلفة»(3).
أقول: هذا لا خلاف فيه كما في (الجواهر)(4) ولا إشكال، لما تقدّم من أنه في كلّ مورد أمكن التقسيم بلا ضرر، أُجبر الممتنع عنه على ذلك.
قال: «ويقسم القراح الواحد وإن اختلفت أشجار أقطاعه كالدار الواسعة إذا اختلفت لبنتها»(5).
أقول: أي لأن الأصل هو الأرض، والأشجار توابع كالابنية، كما عرفت سابقاً.
وعن الشيخ: ويفارق هذا إذا كانت الأقرحة متجاورة، ولكلّ قراح طريق ينفرد به لأنها أملاك متميزة، بدليل أنه إذا بيع سهم من قراح لم تجب الشفعة فيه بالقراح المجاورة له، وليس كذلك إذا كان القراح واحداً وله طريق واحدة، لأنه ملك مجتمع بدليل أنه لو بيع بعضه وجب الشفعة فيه مما بقي، وأصل هذا وجوازه على الشفعة، فكلّ ما بيع بعضه فوجب فيه الشفعة فهو الملك المجتمع، وكلّ ما إذا بيع بعضه لم تجب فيه الشفعة لمجاوره كانت أملاكاً متفرقة»(6).
قلت: إن الشيخ قدّس سرّه يعطي ملاك الوحدة والتعدّد في هذا المقام بهذا الكلام، وأما من حيث الفتوى فيوافق المشهور.
ولم يفرق المشهور في الملك بين المتّحد سبباً والمختلف كالشراء والإرث وهو الصحيح، خلافاً لصاحب (الجواهر) حيث فرّق بينهما كما عرفت سابقاً.
قال المحقق: «ولا تقسم الدكاكين المتجاورة بعضها في بعض قسمة إجباره، لأنها أملاك متعددة يقصد كلّ واحد منها بالسكنى على انفراده، فهي كالأقرحة المتباعدة»(7).
أقول: وعن العلامة في (الإرشاد) الحكم بأن الدكاكين المتجاورة يقسم بعضها في بعض دون الدور والأقرحة(8)، وظاهر (الجواهر)(9) موافقته على ذلك قال: إنها واحدة، لأن الأصل الأرض والبناء تابع، فالدكاكين كبيوت الدار، ولعلّه لذا حكم في (الإرشاد) بالجبر، وهو كذلك مع فرض عدم إمكان قسمة كلّ واحد منها بانفراده. وفيه: إن الأرض التي عليها الشجر تكون أرضاً واحدة عند العرف وإن كان شجرها مختلفاً، لأن الأشجار توابع للأرض، فيجوز تقسيم البعض منها ببعض، وكذا الأمر في الدار، لكن نظر العرف في الدكاكين إلى البناء والأرض تابع له ، ولذا يقولون: باع زيد الدكان، أما في الأرض المشجّرة فيقولون: باع زيد الأرض.
مضافاً إلى أن المتحقق عند العرف في مورد الدكاكين هو المعاوضة والمبادلة، بخلاف الحال بالنسبة إلى بيوت الدار، فهذا المورد مصداق للإفراز عندهم دون ذاك.

(1) شرائع الإسلام 4 : 104.
(2) جواهر الكلام 40 : 355 ، مسالك الأفهام 14 : 53.
(3) شرائع الإسلام 4 : 104 ـ 105.
(4) جواهر الكلام 40 : 359.
(5) شرائع الإسلام 4 : 105.
(6) المبسوط في فقه الامامية 8 : 145.
(7) شرائع الإسلام 4 : 105.
(8) إرشاد الاذهان 1 : 434.
(9) جواهر الكلام 40 : 359.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *