2- في يمين المنكر و المدّعي

البحث الثاني

( في يمين المنكر والمدّعي )

قال المحقق قدّس سرّه: « اليمين تتوجّه على المنكر تعويلاً على الخبر، وعلى المدعي مع الردّ ومع الشاهد الواحد، وقد تتوجّه مع اللّوث في دعوى الدم »(1).
أقول: الأصل في اليمين أن تتوجّه على المنكر، وقد أستثنى من ذلك موارد، ذكر المحقق ثلاثة منها:
أحدها: ردّ المنكر اليمين على المدّعي.
والثاني: ثبوت الدعوى بيمين المدّعي مع الشاهد الواحد في دعوى الدين.
والثالث: ما إذا كانت دعوى المدّعي في القتل مقرونة بالظن، فهنا تتوجّه إليه اليمين، على تفصيل ذكر في محلّه.
وتتوجه اليمين على المدّعي في الدعوى على الميّت مع البيّنة ، وفي الموارد التي لا تعلم حقيقة الحال فيها عادة إلا من قبل المدّعي، كما إذا طلّقت المرأة فادّعت كونها غير طاهرة عند الطلاق.
والحاصل: إن الأصل توجّهها على المنكر، وهذا الأصل قانون كلّي مستفاد من الأخبار(2)، ويكون هو المرجع في كلّ مورد شكّ في توجّه اليمين فيه على المدّعي أو المنكر… وقد جاء في أكثر تلك الأخبار: « واليمين على المدّعى عليه » لكن الفقهاء يعبّرون عنه بـ « المنكر »، ولعلّه من جهة أن المدّعى عليه قد لا تجب عليه اليمين، كما إذا أقرّ بما يدّعيه المدعي.
وهذه الأخبار تقيّد إطلاق قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: « إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان »(3) إنْ كان مطلقاً.
قال: « ولا يمين للمنكر مع بيّنة المدّعي »(4).
أقول: ويدل على ذلك النصوص أيضاً(5).
قال : « لانتفاء التهمة عنها ».
أقول: أي لما يقيم المدّعي البينة وهي حجّة شرعيّة من دون ضمّ يمين إليها تنتفي التهمة عن الدّعوى.
قال: « ومع فقدها، فالمنكر مستند إلى البراءة الأصلية، فهو أولى باليمين ».
أقول: هذا معنى آخر للأصل المذكور سابقاً، فإنه مع فقد المدّعي للبينة ، يكون المنكر مستنداً إلى البراءة الأصليّة، إذ الأصل براءة ذمة المنكر عمّا يدّعيه المدعي، وحيث ادّعي عليه فهو أولى باليمين من المدعي، فإن حلف سقطت الدّعوى.
وأما استحلاف المدّعي الذي لا بيّنة له على ما يدعيه، فيتوقّف جوازه على وجود دليل في مقابل الأصل الذي يقتضي براءة ذمة المدّعى عليه، وأمّا « إنما أقضي بينكم… » فقد ذكرنا أن المراد منه بيان ميزان القضاء، وليس فيه تعرّض إلى من عليه البينة ومن عليه اليمين، فلا إطلاق له.
على أن يد المنكر على مورد الدعوى لا ترتفع بيمين المدعي، وأمّا تقدّم البينة على اليد فقد ثبت بالدّليل.
أقول: لكن الظاهر أن هذا المعنى لا يصلح لأن يكون الحكمة لجعل الشارع اليمين وظيفة للمنكر، وليس معنى آخر للقاعدة الكليّة في المقام، بحيث يكون المرجع لدى الشك لولا النصوص المشار إليها.

(1) شرائع الإسلام 4 : 89.
(2) وسائل الشيعة 27 : 233 . أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، الباب 3.
(3) وسائل الشيعة 27 : 232/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 2.
(4) شرائع الإسلام 4 : 89.
(5) وسائل الشيعة 27 : 241 . أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، الباب 7.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *