هل يشترط كون الاستحلاف في مجلس الحكم ؟

هل يشترط كون الاستحلاف في مجلس الحكم ؟
قال المحقق: « ولا يستحلف الحاكم أحداً إلا في مجلس قضائه إلا مع العذر، كالمرض المانع وشبهه… »(1).
أقول: لقد ادعي الإجماع على هذا الحكم، وظاهر ( الجواهر ) أن الإستحلاف في مجلس القضاء والحكم ـ أي كونهما في مجلس واحد ـ من شرائط نفوذ الحكم، فتكون عبارة المحقق هذه كقوله: « لا يستحلف أحد إلا بالله… » ونحوه، ويكون نتيجة ذلك أنه لو استحلفه في غير ذاك المجلس من غير عذر لم يؤثر الحكم المتعقب له… قال في ( الجواهر )(2): ولعلّه لأصالة عدم انقطاع الدعوى بغيره ، بعد الشك أو الظن بعدم تنازل الإطلاق الوارد في تعليم ميزان القضاء للحكّام لغير الغرض ولو للإتفاق المزبور، بل يمكن دعوى انسباق ذلك منه، خصوصاً النصوص المستفيضة المشتملة على الشكوى من نبي من الأنبياء إلى الله تعالى من القضاء بما لم تر العين ولم تسمع الاُذُن ، فقال: « إقض بينهم بالبيّنات وأضفهم إلى اسمي يحلفون به »(3) . الظاهرة في مباشرة ذلك بنفسه، فلا تصح الإستنابة فيه حينئذ.
لكن في ( المسالك ) جعل المراد من العبارة الكراهة، فإنه قال: قد تقدّم أن مكان التغليظ المستحب للحاكم المسجد ونحوه ، وحينئذ ، فالنهي عن الإستحلاف في غير مجلس القضاء المراد به منه الكراهة إنما يتم على تقدير كون مجلس القضاء من أمكنة التغليظ، وإلا لم يتم النفي والنهي مطلقاً ، أو يحمل على يمين لا تغليظ فيها …
بل ظاهر ( السرائر )(4) أن استحلافه في مجلس الحكم من الامور المستحبة للحاكم، فإنه قال: « وينبغي للحاكم أن لا يحلّف أحداً إلاّ في مجلس الحكم… » فيكون من المستحبات مثل استحباب التغليظ للحاكم… وبناء عليه ، يتوجه البحث عن استحباب ذلك للحالف أيضاً وعدم استحبابه .
ولكن الأكثر على الأوّل، وهو جعل « لا يستحلف » عزيمة، ولذا تعرّضوا لنفوذ الحكم وعدمه بدون ذلك، ولو كان مكروهاً أو مستحباً لم يكن لذلك البحث هنا وجه، ولما تمسّكوا بالأصل.
أقول: إلاّ أن الشك الذي ذكره في ( الجواهر ) مسبّب عن الشك في شرطية الإستحلاف في مجلس الحكم لنفوذ الحكم، فيكون المرجع هو البراءة ، وتكون النتيجة نفوذ الحكم، وأما الخبر الذي ذكره قدّس سرّه فإن ظهوره في المباشرة ليس لفظيّاً، نعم ، اللاّزم العقلي لتوجه الخطاب بإضافة الحاكم ذلك إلى اسمه تعالى هو المباشرة، إلاّ إذا قامت قرينة على أن المطلوب غير مشروط بالمباشرة، وحيث لا قرينة فلا حجة للمخاطب على الترك.
ثم إن بعض الامور تقبل الوكالة عرفاً كالعقود، فتشملها أدلّة الوكالة وإن كانت أدلّة تلك الامور ظاهرة في المباشرة، لأن أدلّة الوكالة تنزّل الغير منزلة الموكّل، فإن كان الاستحلاف منها شملته أدلّة الوكالة كذلك، ولم يلزم مباشرة الحاكم له، بل يكفي استحلاف وكيله، ويكفي استحلافه سواء كان في المجلس أو غيره، عملاً بإطلاق « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر »، وإن كان الاستحلاف من الامور غير القابلة للتوكيل كما هو الأصل في العبادات، فالمباشرة لازمة…
هذا كلّه، إلاّ مع العذر ، كالمرض المانع من الحضور وشبهه، فإن الأكثر ـ بل نفي الخلاف فيه ـ على أن الحاكم يستنيب من يحلّفه في مكانه، وكذا المرأة التي لا عادة لها بالبروز إلى مجمع الرجال، فإنه يرسل إلى منزلها من يستحلفها… وقيل: يجب على الحاكم المضي بنفسه مع فرض عدم النقص عليه، وقيل: بالتوقف حتى يزول العذر.
قلت: لكن أدلّة الوكالة مطلقة تعم صورة الإختيار والإضطرار، فإن كان الأمر يقبلها جاز التوكيل فيه مطلقاً وإلا فلا كذلك، اللهم إلا أن يكون إجماع، فالأحوط هو القول الأوّل، وعند الإضطرار ، فالقول الثاني مع فرض عدم النقص عليه ، وإلا فالثالث، اللهم إلا إذا استلزم التوقف الضرر … وإن كان القول بعموم أدلّة الوكالة ـ إلا ما خرج بالدليل ـ غير بعيد، ويشهد به تجويزهم لذلك عند الإضطرار، وقد تقدم سابقاً بعض الإشارة إلى ذلك(5).

(1) شرائع الإسلام 4 : 88.
(2) جواهر الكلام 40 : 240.
(3) وسائل الشيعة 27 : 229/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 1.
(4) السرائر في الفقه 2 : 164.
(5) في البحث عن جواز التوكيل في القضاء وعدمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *