السابعة: حكم تداعى الزوجين متاع البيت

المسألة السابعة

(حكم تداعى الزوجين متاع البيت)

قال المحقق قدّس سرّه: «إذا تداعى الزوجان متاع البيت قضي لمن قامت له البينة، وإن لم تكن بينة فيد كلّ واحد منهما على نصفه. قال في المبسوط: يحلف كلّ منهما لصاحبه… وقال في الخلاف: ما يصلح للرجال للرجل وما يصلح للنساء للمرأة وما يصلح لهما يقسّم بينهما، وفي رواية إنه للمرأة… وما ذكره في الخلاف أشهر في الروايات وأظهر في الأصحاب»(1).
أقول: إذا تداعى الزوجان متاع البيت، بأن ادّعى كلّ منهما ملكية المتاع الموجود في بيتهما، فإما تكون بينة وإما لا تكون، فإن كانت، قضي بالمتاع لمن قامت له البينة، سواء كان الرجل أو المرأة، بلا خلاف كما في (الجواهر) عن (الرياض).
وإن لم تكن بينة، فيد كلّ واحد من الزوجين تكون على نصف المتاع الذي في يدهما، لكن كلاً منهما يدّعي النصف الآخر فما هو الحكم؟
في المسألة ثلاثة أقوال أو أربعة، ومنشأ تعدد الأقوال والخلاف بين الأصحاب، هو اختلاف أخبار المسألة، والأقوال ثلاثة منها للشيخ:
فالأول: إنه يحلف كلّ منهما للآخر، كغير المتاع من الأشياء حيث يتداعى فيه اثنان أو أكثر، مع كون الشي في أيديهما «سواء كان مما يختص بالرجال أو النساء أو يصلح لهما، وسواء كانت الدار لهما أو لأحدهما، وسواء كانت الزوجية باقية أو زائلة، ويستوي في ذلك تنازع الزوجين والوارث» وهذا ما قاله الشيخ في (المبسوط)(2) وتبعه العلاّمة في (القواعد)، وفخر المحققين في (الإيضاح) كما في (الجواهر)، وقد أشرنا إلى دليله.
والثاني: إن ما يصلح للرجال للرجل وما يصلح للنساء للمرأة وما يصلح لهما يقسم بينهما، وهذا ما قاله الشيخ في (الخلاف) وتبعه العلامة في (التحرير)، والشهيد في (الدروس)، بل في (المسالك) نسبته إلى الأكثر، بل عن (الخلاف)(3) و (السرائر) الإجماع عليه.
ويدل عليه ـ مع الإجماع المذكور ـ عدّة أخبار، عمدتها صحيح النخاس الآتي.
والثالث: إن المتاع كلّه للمرأة «لأنها تأتي بالمتاع من أهلها» وهذا ما أفتى به الشيخ في (الإستبصار)(4) كما في (الجواهر)، ويدل عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج الآتي.
فهذه ثلاثة أقوال، وقد اختار المحقق هنا وفي (النافع)(5) القول الثاني منها، ونسبه في (نكت النهاية) إلى المشهور.
وعن العلامة في (المختلف) الرجوع في المسألة إلى العرف والعادة حيث قال: «والمعتمد أن نقول: إنه إن كان هناك قضاء عرفي يرجع إليه ويحكم به بعد اليمين، وإلا كان الحكم فيه كما في غيره من الدعاوى…
لنا: إن عادة الشرع في باب الدعاوى بعد الاعتبار والنظر راجعة إلى ما ذكرنا، ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناء على الأصل، وبأن المتشبث أولى من الخارج، لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالباً، وحكم بإيجاب البيّنة على من يدّعي خلاف الظاهر والرجوع إلى من يدّعي الظاهر، وأما مع انتقاء العرف فلتصادم الدعويين مع عدم الترجيح لأحدهما فتساويا فيها…
واعلم أن ما رواه الشيخ من الأحاديث يعطي ما فصّلناه نحن أولاً، ويدل عليه حكمه عليه السلام بأن العادة قاضية بأن المرأة تأتي بالجهاز من بيتها فحكم لها به، وإن العادة قاضية بأن ما يصلح للرجال خاصة فإنه يكون من مقتضياته دون مقتضيات المرأة، وكذا ما يصلح للمرأة خاصة يكون من مقتضياتها دون مقتضيات الرجل، والمشترك يكون للمرأة، قضاءاً لحق العادة الشائعة، ولو فرض خلاف هذه العادة في وقت من الأوقات أو صقع من الأصقاع لم يحكم لها»(6).
وهذا الذي ذكره العلامة جعله في (المسالك) قولاً رابعاً في المسألة، لكن صاحب (الجواهر) أرجعه إلى القول الثاني، فقال بعد أن أورد عبارة (المختلف): «إن مبناه أوّلا وآخراً الرجحان الناشيء من العادة ولو لكون الشيء لا يصلح إلا لأحدهما فإن العادة قاضية بذلك، فمرجع كلام المشهور حينئذ إلى ذلك، خصوصاً بعد تصريح ابن ادريس ـ الذي قد عرفت دعواه الإجماع على ذلك فيما حكي عنه ـ بذلك»(7).
وفي (الجواهر) عن (التنقيح) إنه بعد أن اختار القول الأول قال: «لتكافؤ الدعويين من غير ترجيح، ولأن الحكم بما يصلح له لو كان حقاً لزم الحكم بمال شخص معين لغيره لكونه صالحاً لذلك الغير، وهو باطل. بيان اللزوم: إنه جاز أن يموت للمرأة أب أو أخ فترث منه عمائم وطيالسة ودروعاً وسلاحاً، وتموت للرجل اُم أو اُخت فيرث منها حليّاً ومقانع وقمصاً مطرزة بالذهب، ويكون ذلك تحت أيديهما، فلو حكم لكلّ بما يصلح له لزم الحكم بمال الإنسان لغيره.
لا يقال: قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: نحن نحكم بالظاهر، والله أعلم بالسرائر، وما ذكرنا هو الظاهر.
لأنا نقول: نمنع أن ذلك هو الظاهر، لأن الظاهر راجح غير مانع من النقيض، ومع ما ذكرنا من الاحتمال لا رجحان.
وأما ما ذكره العلامة من العرف، فممنوع، لأنه لو كان قاعدة شرعية لزم الحكم بذلك في غير الزوجين لو حصل التداعي بين رجل وامرأة في متاع هذا شأنه، وهو باطل»(8).
أقول: أما منعه كون الظاهر ذلك فممنوع، وكذا منعه ما ذكره العلامة، والالتزام بما ذكره من اللازم غير بعيد.
وأما إشكال (الجواهر) على قول العلامة بأن «كلامه عند التأمل في غاية البعد، إذ حاصله استفادة الحكم الشرعي من الحكم العادي، وهو واضح الفساد، ضرورة عدم مدخلية للعادة في الأحكام الشرعيّة… وبالجملة: كلامه لا يرجع إلى حاصل ينطبق على القواعد الشرعية الموافقة لاصول الإمامية، وإن مال إليه جماعة ممن تأخّر عنه»(9).
ففيه: إنه إن كان مراد العلامة كون السيرة العقلائية على ذلك، وأنها حجة مع عدم الردع، فيجوز الرجوع إليها والتعويل عليها، فالإشكال غير وارد، بل قوله عليه السلام «قد علم من بين لابتيها…»(10) يقتضي الإمضاء، فما المانع من أن يكون المتعارف هنا حجة؟
وأما أخبار المسألة، فقد عرفت أن عمدتها صحيح النخاس الدالّ على القول الثاني، وهو عن الصادق عليه السلام إنه قال «إذا طلّق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما يكون للنساء، وما يكون للرجال والنساء يقسّم بينهما. قال: وإذا طلّق الرجل المرأة فادّعت أن المتاع لها، وادّعى الرجل أن المتاع له، كان له ما للرجل ولها ما للنساء»(11).
وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج الدالّ على القول الثالث، قال: «سألني أبوعبد الله عليه السلام كيف قضى ابن أبي ليلى؟ قلت: قد قضى في مسألة واحدة بأربعة وجوه، في التي يتوفّى عنها زوجها فيجئ أهله وأهلها في متاع البيت، فقضى فيه بقول إبراهيم النخعي: ما كان من متاع الرجل فللرجل، وما كان من متاع النساء فللمرأة، وما كان من متاع يكون للرجل والمرأة قسّمه بينهما نصفين.
ثم ترك هذا القول فقال: المرأة بمنزلة الضيف في منزل الرجل، لو أن رجلا أضاف رجلاً فادًعى متاع بيته كلّف البينة، وكذلك المرأة تكلّف البينة، وإلا فالمتاع للرجل.
ورجع إلى قول آخر فقال: القضاء أن المتاع للمرأة إلا أن يقيم الرجل البينة على ما أحدث في بيته.
ثم ترك هذا القول، ورجع إلى قول إبراهيم الأول.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: القضاء الأخير وإن كان رجع عنه، المتاع متاع المرأة إلا أن يقيم الرجل البينة، قد علم من بين لابتيها يعني: بين جبلي منى ـ إن المرأة تزفّ إلى بيت زوجها بمتاع ـ ونحن يومئذ بمنى ـ»(12).
ووجه الجمع بينهما: إن دعوى الرجل ملكية ما يصلح للرجل تحتاج إلى إثبات، لأن المتاع الذي تأتي المرأة به إما ملك لها وإما باق على ملك أبيها، فلو ادّعى التمليك له بهبة أو نحوها كان عليه الإثبات.
ولا يمكن تقييد ملكية المرأة أو أبيها بغير ما يصلح للرجل، لكن العكس صحيح بأن نقول: كلّ ما يصلح للرجال فللرجل، إلا إذا كانت المرأة قد جاءت به من بيت أهلها.
وأما قوله عليه السلام في ذيل خبر النخّاس: «ومن استولى على شيء فهو له» فيمكن أن يكون المراد منه نفس المراد من صدره، أو يراد منه أمر آخر، وهو أنه لو كان بعض المتاع بيد أحدهما خاصة فهو له، فيكون حاصل الجمع: إن ما كان تحت يد أحدهما الخاصة دون اليد البيتية فهو له، ثم يقضى في الباقي بكون ما يصلح للرجال للرجل وما يصلح للمرأة فلها، والمشتركات تقسّم، والأقرب ظهوره في هذا المعنى.
وهذا الذي ذكرناه في الجمع بين الخبرين هو مقتضى العرف والعادة.
وهذا هو الحكم سواء كان النزاع بين الزوجين أو بين ورثة أحدهما مع الآخر.

(1) شرائع الإسلام 4 : 119.
(2) المبسوط في فقه الامامية 8 : 31 ، قواعد الأحكام 3 : 470 ، إيضاح الفوائد 4 : 380.
(3) كتاب الخلاف 6 : 352 مسألة 27 ، السرائر في الفقه 2 : 193 ، تحرير الأحكام 5 : 208 ، الدروس الشرعية 2 : 111 .
(4) الاستبصار 3 : 47.
(5) المختصر النافع : 285 ، نكت النهاية 2 : 83.
(6) مختلف الشيعة في أحكام الشريعة 8 : 411.
(7) جواهر الكلام 40 : 497.
(8) التنقيح الرائع في شرح مختصر الشرائع 4 : 278 ـ 279 . جواهر الكلام 40 : 498.
(9) جواهر الكلام 40 : 500.
(10) تهذيب الأحكام 6 : 297/829.
(11) وعن أبي عبد الله عليه السلام في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل يموت قبل المرأة. قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ومن استولى على شيء منه فهو له.
وعن زرعة عن سماعة قال: « سألته عن رجل يموت، ماله متاع البيت؟ قال: السيف والسلاح والرجل وثياب جلده » وسائل الشيعة 26 : 216/4 . أبواب ميراث الازواج ، الباب 8.
(12) تهذيب الأحكام 6 : 298 وانظر ما بعده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *