الرابعة: لو وقع الإختلاف في العقد الواقع

المسألة الرابعة

(لو وقع الإختلاف في العقد الواقع)

قال المحقق قدّس سرّه: «إذا ادّعى أنه آجره الدابة، وادّعى آخر أنه أودعه إياها، تحقق التعارض مع قيام البينتين بالدعويين، وعمل بالقرعة مع تساوي البينتين في عدم الترجيح»(1).
أقول: إنه وإن كان النزاع بين الرجلين حول العقد في الظاهر، فيدّعي هذا بأنه قد آجره الدابة، ويدّعي ذاك بأنه أودعه مثلاً إياها، لكن النزاع في الحقيقة هو في الملك، للثمرة الواضح ترتّبها من هذه الناحية على دعوى كلّ واحد منهما، وبالنظر إلى ذلك ذكر المحقق قدّس سرّه هذه المسألة في مسائل الإختلاف في الأملاك(2).
وما ذكره المحقق قدّس سرّه هو أحد الصور الأربع المتصورة في هذه المسألة.
والصورة الثانية: أن تكون العين بيد شخص وهو يقرّ بأنها ليست ملكاً له، غير أنه ينازع المالك فيقول قد آجرني إيّاها، ويقول المالك: قد أودعته إيّاها، أو يدعي المالك الإجارة وذو اليد العارية… فإن كانت مستأجرة ملك الشخص منفعتها في المدّة المعيّنة دون ما إذا كانت وديعة، لكن يترتب على كونها مستأجرة لزوم دفع بدل الإيجار إلى المالك… وهذه الصورة من الإختلاف في العقود وإن كان لهذا النزاع ثمرة ماليّة.
والصورة الثالثة: أن يتنازع اثنان حول عين يقرّان بكونها لثالث، فيقول أحدهما: قد آجرني إيّاها ويقول الآخر: قد استودعني إيّاها.
والصورة الرابعة: أن يتنازعا، فيقول أحدهما: إنها لزيد وقد آجرني إيّاها ، ويقول الآخر: إنها لعمرو قد استودعني إيّاها.
فالحكم في الصورة الأولى التي ذكرها المحقق قدّس سرّه هو ما ذكره من أنه إن كان لأحدهما بيّنة حكم له، وإن أقاماها معاً، فإن ترجّحت احداهما على الاخرى بسبب من أسباب الترجيح ـ على ما تقدّم من الكلام عليها ـ حكم لها وإلا فالقرعة، فمن خرج اسمه حلف وأخذ، وإن نكل حلف الآخر، فإن نكلا فالحكم هر التنصيف للعين إن كانت قابلة له، وإلا فهما شريكان فيها على النصف.
وفي الصورة الثانية يتحقق التداعي بين المالك والمتصرّف، فإن كان لأحدهما بيّنة حكم له، وإن كانت لكليهما، فإن ترجّحت إحداهما على الأخرى فهو وإلا تعارضتا وتساقطتا، وحينئذ تقسم منفعة العين بينهما نصفين، ويقسّم مال الإجارة بينهما كذلك.
وربما يجعل المالك في هذه الصورة ذا اليد وبينة المتصرف خارجاً، فيبتني الأمر على حجّية بيّنة الداخل، فعلى القول بها تقدّم بينة ذي اليد ـ المالك ـ وعلى القول الآخر تقدم بينة المتصرف، فلا تكون الصورة من قبيل التداعي حتى ينتهي الأمر إلى القرعة، وقد يحتمل كون المتصرف ذا يد لكونها بيده الآن، ويبتنى الأمر على تقديم بينة الداخل والخارج كذلك.
وهكذا يكون طريق فصل الخصومة في الصورتين الباقيتين، لأنهما من مصاديق التداعي كذلك.

(1) شرائع الإسلام 4 : 112.
(2) فيه إشارة الى جواب اعتراض صاحب المسالك قدّس سرّه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *