طريقة الأُستاذ لحلّ الاشكال
وقال الأُستاذ دام بقاه: بأنّ الإتيان بالعمل بداعي الأمر الغيري يرفع جميع المشاكل، فإنّه يرفع مشكلة ترتّب الثواب ويرفع مشكلة عبادية الطهارات الثلاث، وعلى الجملة، فإنّ العباديّة تتحقّق بالأمر الغيري وتترتّب عليه جميع الآثار.
أمّا ترتّب الثواب، فيكفي فيه الإتيان بالعمل مضافاً إلى المولى، فإذا أُضيف إليه صلح لأنْ يكون مقرّباً إليه ولأن يترتّب عليه الأجر والثواب، بل العقل حاكم بكفاية الإتيان به بمجرّد كون المحرّك نحوه مطلوبيّته للمولى، فلا خصوصيّة لإضافته إليه، بل إنّ حصوله بداع إلهي يجعله مورداً للثواب، والإتيان بالطهارات كذلك، وإنْ كان الطلب الدّاعي له غيريّاً لا نفسيّاً.
وكذلك عباديّة العمل، فإنّها تتحقّق بإضافته إلى المولى وإنْ كان الطلب المتوجّه إليه غيريّاً، لعدم الفرق في تحقّق الإضافة بين الطلب النفسي والغيري، والأمر في الطهارات الثلاث من هذا القبيل، فالعباديّة متحقّقة فيها بالأمر الغيري ولا إشكال في ذلك، إلاّ مشكلة الدور التي ذكرها الشيخ، لأن متعلّق الأمر فيها ليس هو الأفعال من الغسل والمسح، بل الأفعال بوصف العباديّة، فلو تحقّقت العباديّة لها من ناحية الأمر الغيري لزم الدور.
وقد تقدّم منّا حلّ هذه المشكلة: بأنها تبتني على أنْ تؤخذ في متعلّق الأمر الغيري خصوصيّة الإتيان به بقصده، إذْ يلزم تقدم المتأخّر وتأخّر المتقدّم، أو لا تؤخذ ولكنّ الإطلاق يكون بنحو جمع الخصوصيّات، فتكون الخصوصيّة المذكورة مأخوذةً في ضمنها، وأمّا إذا كان المتعلّق وهو الغسل والمسح في الوضوء مطلقاً بنحو رفض القيود، كان المأخوذ فيه طبيعة العباديّة، ويكون الإتيان به بقصد الأمر الغيري من مصاديق الطبيعة، فالأمران مختلفان والدور غير لازم.
وتلخّص: إنّ منشأ عباديّة الطهارات الثلاث أحد أُمور ثلاثة:
1 ـ قصد امتثال الأمر الاستحبابي النفسي، فالعمل مضاف إلى المولى. ذكره المحقّق الخراساني.
2 ـ قصد التوصّل بها إلى الواجب النفسي، لأنّه يتحقّق لها بذلك إضافة إلى المولى. ذكره الشيخ.
3 ـ قصد الأمر الغيري، لأنّه يضاف العمل للمولى، وإشكال الدور مرتفع بما ذكرناه، وإن كان من الشيخ وارتضاه الآخرون، وقال في ( المحاضرات ): بأنّ الأمر الغيري لا يعقل أن يكون منشأً لعباديّتها(1). فقد ظهر أنّه معقول، لأنّ الدور إنّما يلزم لو أُخذ خصوص الأمر الغيري فيها، أمّا مع أخذ العباديّة مطلقاً أي بنحو رفض القيود فلا يلزم.
وهذا تمام الكلام في الطهارات الثلاث.
(1) محاضرات في أُصول الفقه 2 / 232.