النظر في القول الثاني
وهو القول المنسوب إلى الشيخ ( التقريرات )(1)، بأنّ المقدّمة مقيّدة بداعي التوصّل، وهو قيد اختياري، بخلافه في القول الثالث، فإنّه قيد قهري كما سيأتي،… وأيضاً، هو قيدٌ للواجب لا للوجوب.
وقد استدلّ لهذا القول:
بأنّ ما يتوقّف عليه الشيء معنون بعناوين، لكنّ العنوان الذي يدخل تحت الأمر الغيري بحكم العقل هو عنوان المقدميّة لذي المقدّمة، فنصب السلّم مثلاً يتصوّر له أكثر من عنوان، إلاّ أنّ متعلّق الأمر الغيري فيه عنوان المقدميّة للصعود إلى السطح، إذ الأمر لم يتعلّق به بعنوان نصب السلّم بما أنّه كذلك بل بما أنّه مقدّمة… وإذا كان هذا هو المتعلّق للأمر، فلا ريب أنّ الأمر لا يدعو إلاّ إلى متعلّقه، وداعويّته لغير المتعلّق مستحيلة، فإذا لم يؤت به بهذه الخصوصيّة لم يتحقّق الامتثال.
وعلى هذا، فإن مصداق الواجب ـ سواء في المقدّمات العباديّة أو غيرها ـ هو ما أُتي به بقصد المقدّمة لذيها، وإنّ ما يُحقّق عنوان المقدميّة هو الإتيان بداعي التوصّل، غير أنّه في العباديّات يعتبر قصد القربة أيضاً.
وقد أيّد الشيخ مطلبه بما في الأوامر العرفيّة، فلو أمر المولى عبده بتحصيل الثمن وشراء اللّحم به، ثم حصل الثمن لا بقصد شراء اللّحم، لم يكن تحصيله عند العرف امتثالاً للأمر، لأنّه قد أمر بتحصيل الثمن لاشتراء اللّحم.
وفرّع الشيخ على مسلكه مسألتين:
أحدهما: إنّه لو كان على المكلّف صلاة قضاء، فتوضّأ قبل الوقت لا بداعي الصّلاة الفائتة ولا بقصد غاية من الغايات للوضوء، فلا يجوز له الصّلاة به، لأنّ المتعلّق للوجوب هو المقدّمة المأتي بها بداعي التوصّل لذي المقدّمة.
وثانيهما: إنّه لو اشتبهت القبلة فصلّى المكلّف إلى جهة من الجهات من غير أن يقصد بها التوصّل إلى الإحتياط الواجب، ـ كأن لم يُرد الصلاة إلى الجهات الأُخرى ـ بطلت صلاته. ولذا لو عزم على الإحتياط بالصّلاة إلى الجهات وجب عليه إعادة تلك الصّلاة، أمّا لو قلنا بعدم اعتبار قصد التوصّل، فإنّه لو قصد الصّلاة إلى جهة واحدة فقط، ثمّ بدا له وأراد الصّلاة إلى جميعها عملاً بالاحتياط، لم تجب عليه إعادة الصّلاة الأولى.
وأورد عليه الميرزا ـ وتبعه الأُستاذان(2) ـ بخروج هذه الثمرة عن البحث، لأنّ البحث في المقدّمة الوجودية لا العلميّة.
هذا في العبادات.
وأمّا في غيرها، فمن المقدّمات ما لا يعتبر فيه قصد التوصّل، فلا فرق بين رأي الشيخ ورأي المشهور، مثل غسل الثياب لا بداعي التوصّل إلى الصّلاة. ومنها ما يعتبر فيه ذلك، وتتحقّق الثمرة بين القولين فيما لو أمر بإنقاذ الغريق وتوقف ذلك على التصرّف في ملك الغير، فيقول الشيخ: بأنّه لو تصرّف بداعي إنقاذ الغريق فلا حرمة، لأنّ متعلّق الوجوب هو التصرّف بداعي التوصّل به إلى الإنقاذ، ولمّا كان الإنقاذ أهمّ فلا تبقى الحرمة، أمّا لو تصرّف لا بداعي التوصّل به للإنقاذ فالحرمة باقية وإن حصل الإنقاذ.
(1) مطارح الأنظار: 72 ـ 73.
(2) أجود التقريرات 1 / 261، منتقى الأُصول 2 / 283.