وجه هذا الاشتراط

قال الشيخ:
ومن جملة الشروط في العقد: أنْ يقع كلّ من إيجابه وقبوله في حال يجوز لكلّ واحد منهما الإنشاء… .
أقول:
يعتبر في صحّة العقد: أنْ يكون كلّ من المتعاقدين واجداً للشرائط في حال إنشاء الآخر، فإذا أوجب البايع الإيجاب الذي يصح منه في حال، اعتبر أنْ يكون على ذلك الحال في حين إنشاء الطرف المقابل للقبول، مثلاً: إذا قال بعت ثم نام أو جنّ، فقال الطرف قبلت، لم يؤثّر.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى الشرائط الشرعيّة، فلو قال «بعت» وحجر عليه الحاكم الشرعي أو عرض عليه الرقيّة مثلاً، لم يؤثر قبول القابل.
وهذا من الشرائط العقليّة المقوّمة لماهيّة العقد، فقد ذكرنا مراراً أن الإنشاء من أطوار استعمال اللّفظ في المعنى، والعقد إنشاء من الطرفين، وهو أمر قصدي، فلو كان في حال لا يتمشّى منه القصد فلا إنشاء، فإذا قال المجنون أو المغمى عليه أو النائم: «بعت» لم يؤثر.
ومن الشرائط ما هو معتبر في الشرع، كأنْ يكون بالغاً، فالصغير ـ وإنْ أنشأ عن قصد للمعنى ـ لا يؤثّر إنشاؤه، والمفلَّس ينشؤ عن قصد لكنْ لا أثر له لكونه محجوراً عليه، وكذا السفيه، والرق يتحقق منه الإنشاء وهو قاصد للمعنى، لكنْ لا يترتب عليه الأثر شرعاً.
فالشرائط إمّا عقليّة وإمّا شرعيّة كما أوضحنا.
فكلّ من الموجب والقابل يعتبر فيه أنْ يكون عند الإنشاء على حال يترتب الأثر على إنشائه بحسب الشرائط العقلية والشرعية، وأن يكون باقياً على تلك الحال حتى إنشاء الطرف المقابل، فإذا تحقق ذلك تحقق العقد.
إنّما الكلام في أنه هل يترتّب الأثر على القبول إن لم يكن القابل واجداً للشرائط العقلية والشرعية في حين إيجاب الموجب وإنْ كان واجداً لها عند القبول، أوْ لا يترتب؟
مثلاً: لو كان القابل في حال إيجاب الموجب نائماً أو كان رقّاً، ثم أنشأ القبول في حال اليقظة والحريّة، فهل يؤثّر؟
ولو أنشأ الموجب الإيجاب واجداً للشرائط ثم فقد بعضها، فهل يؤثّر قبول القابل والحال هذه؟
قال الشيخ:
ثم إنّ عدم قابليّتهما إن كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب كالموت والجنون والإغماء بل النوم، فوجه الاعتبار عدم تحقّق معنى المعاقدة والمعاهدة حينئذ… وإنْ كان لعدم الاعتبار برضاهما، فلخروجه عن مفهوم التعاهد والتعاقد… .
فالشيخ يعتبر وجدان الشرائط مطلقاً، غير أنه إن كان فاقداً للشرط العقلي، كالنوم والإغماء والجنون… فلعدم تحقق المعاهدة، وإنْ كان فاقداً للشرط الشّرعي، فلخروجه عن مفهوم التعاهد والتعاقد عرفاً.
ثم قال:
والأصل في جميع ذلك أن الموجب لو فسخ قبل القبول لغى الإيجاب السابق، وكذا لو كان المشتري في زمان الإيجاب غير راض أو كان ممّن لا يعتبر رضاه كالصغير، فصحّة كلّ من الإيجاب والقبول يكون معناه قائماً في نفس المتكلّم من أوّل العقد إلى أن يتحقق تمام السبب وبه يتم معنى المعاقدة.
وقد جعل الشيخ المدرك لما ذكره، قول الفقهاء بأنّ الموجب يعتبر أنْ يبقى على تعهّده، ولذا لو فسخ قبل القبول لغى الإيجاب السابق وبطل العقد، لأنّ ذلك يفيد أن ما أنشأه الموجب لابدّ أنْ يبقى ويستمرّ من حينه إلى حين القبول من الطّرف.
وتعرّض في الأثناء للوصيّة جواباً لإشكال مقدّر فقال:
«وأمّا صحّة القبول من الموصى له بعد موت الموصي، فهو شرط تحققه لا ركن، فإن حقيقة الوصية الإيصاء، ولذا لو مات قبل القبول قام وارثه مقامه، ولو ردّ جاز له القبول بعد ذلك».
وذلك: إنه لو أوصى إلى زيد ولم يعلم بها زيد حتى مات الموصي، فقبلها، صحّت الوصيّة، فكيف ذا والشرائط غير مستمرّة إلى وقت القبول؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *