هل يفرّق في الضّمان بين علم الدافع و جهله؟

هل يفرّق في الضّمان بين علم الدافع و جهله؟
قال الشيخ:
ثم إنّه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان في الفاسد بين جهل الدافع بالفساد، وبين علمه مع جهل القابض، وتوهّم أن الدّافع… .
أقول:
إنما ينتفي الضمان في موارد، كالإذن في التصرّف أو الغرور حيث أن المغرور يرجع إلى من غرّه، وأمّا في العقد الفاسد، فقد يكون كلاهما جاهلين بفساده، أو عالمين به، أو الدافع جاهل والقابض عالم، أو بالعكس.
فإن كانا جاهلين، فالضمان ثابت، لقاعدة الضّمان بناءً على تماميّتها، وإنْ كان الدافع جاهلاً والقابض عالماً، فبطريق أولى، لأنه يعتقد بصحة العقد فيسلّم الشيء، لكنّ الآخذ عالمٌ بالفساد فهو بأخذه يكون ضامناً بلا إشكال.
وإنْ كان الدافع عالماً بالفساد والقابض جاهل، أو كانا عالمين، فقد يقال بعدم الضمان:
لأن الإقباض مع العلم بالفساد إذنٌ في التصرّف، فلا ضمان حينئذ.
أو لأنّ الإقباض في هذه الحالة أمانة مالكيّة[1].
[1] ولا ضمان حينئذ للنصوص الدالّة على ذلك، كقوله عليه السلام ـ في حديث: «إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه إلاّ أنْ يكون اشترط عليه»(1).
وقوله عليه السلام: «لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مؤمناً»(2).
وقوله عليه السلام: «ليس على مستعير عارية ضمان، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن»(3).

أو لأنّه لمّا كان الدافع عالماً والقابض جاهلاً، فإنّ القابض مغرورٌ من قبل الدّافع، والمغرور يرجع على من غرّه.
لكنّ ذلك كلّه توهّم.
لأن الأمانة المالكيّة، إمّا هي عبارة عن الإيداع أو الإعارة ونحوهما، ولا شيء من هذه العناوين بمقصود للدافع، فلا موضوع للأمانة هنا.
وأمّا الإذن في التصرّف، فإنه من باب الجري على المعاوضة تشريعاً أو من باب عدم المبالاة بالحكم الشرعي، فهو لم يدفع الشيء مجّاناً ليكون إعطاؤه إذناً في التصرّف، لأن الإذن في التصرّف يكون في حال الدفع مجّاناً مع إمضاء الشارع، خاصّةً في صورة علمهما بالفساد، فإنّه لا يتصوّر الآخذ إذن الدّافع ورضاه بالتصرّف.
وأمّا قاعدة الغرور، فإنما تجري في مورد يكون التصرّف بتغرير الغير مع الاعتقاد بعدم الضّمان، وليس القبض فيما نحن فيه كذلك، بل هو على وجه المعاوضة.
وعلى الجملة، فالضمان ثابت في الصّور الأربع، لِقاعدة الضّمان بناءً على تماميّة الاستدلال بها كما عليه الشيخ، أو لقاعدة السّلطنة كما هو المختار عندنا، غير أنه لا موضوع لذلك في صورة عدم الانتفاع أو عدم التسبيب للفعل.
هذا كلّه في أصل القاعدة، وقد تبيّن أنّ الصحيح جريانها على أساس قاعدة المؤمنون عند شروطهم، في كلّ مورد يتحقّق التصرف في الشيء أو الاستيفاء للمنافع أو التسبيب للعمل.

(1 ـ 3) وسائل الشيعة 13 / 236 ـ 236، الباب 1 من أبواب أحكام الوديعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *