هل يعتبر كون المتكلّم عالماً تفصيلاً بمعنى اللّفظ؟

هل يعتبر كون المتكلّم عالماً تفصيلاً بمعنى اللّفظ؟
قال الشيخ:
هل يعتبر كون المتكلّم عالماً تفصيلاً بمعنى اللّفظ…؟ الظاهر هو الأوّل، لأنّ عربيّة الكلام ليست باقتضاء نفس اللّفظ بل بقصد المتكلّم منه المعنى الذي وضع له عند العرب… .
أقول:
تارة: هو لا يدري معنى «بعت» من حيث المادّة، واخرى: لا يدري معنى هيئة «بعت». وعلى كلّ تقدير، تارة يقول: «أبيع» قاصداً معنى البيع، واخرى يقول: «بعت» بماله من المعنى، وثالثة يقول: «بعت» قاصداً للبيع، مع جهله بالفرق بينه وبين «أبيع».
فإنْ كان جاهلاً بمعنى «بعت» من حيث المادّة أو الهيئة، غير أنه يقصد ماله من المعنى في الواقع، فهذا باطل، لا لما ذكره الشيخ، بل لأنه إذا جهل المعنى الواقعي وَقَصَد المعنى الإجماليّ، لم يتحقق إنشاء البيع، إذ البيع عبارة عن تمليك خاصٍّ، وقصد الفرد بقصد الكلّي الطبيعي الجامع بينه وبين غيره غير معقول، وإنما الجامع بلا خصوصية عدم محضٌ، وحينئذ، فإنه لم يتكلّم بشيء، ولم يتحقق منه إنشاء أصلاً، لا أنّه لم يتكلّم بالعربية كما ذكر الشيخ.
ولو قال «أبيع» قاصداً معنى البيع، لم يتكلّم بالعربية كما قال الشّيخ، إذ ليس معناه ذلك، فهو باطل.
ولو قال «بعت» جاهلاً بمعناه مادةً وهيئة إلاّ أنه قصد البيع به، فقد تكلّم بالعربيّة وقصد المعنى الموضوع له اللّفظ وهو البيع، فجميع جهات الصحّة موجودة، وقول الشيخ ببطلان هذه الصّورة في غير محلّه، إذ لا دخل لعلمه بكون «البيع» هو المعنى الموضوع له لفظ «بعت»، في صحة العقد، ولذا لا يضرّ جهله بذلك ولا يخرج الكلام عن العربيّة. وبعبارة اخرى: ليس من شرط مصداقيّة اللّفظ العربي ـ المستعمل في معناه الموضوع له ـ للعربية، أنْ يكون المتكلّم عالماً بكون ذلك المعنى هو الموضوع له اللفظ الذي تكلّم به، نظير ما إذا أكرم زيداً العالم جاهلاً بكونه عالماً، فإنّه يصدق عليه عنوان إكرام العالم حقيقةً.
فظهر أن الصحيح هو البطلان في الصّورة الاولى، لكنْ لا للعلّة التي ذكرها الشيخ، والبطلان في الثانية، للعلّة المذكورة، والصحّة في الثالثة خلافاً له.
بل يمكن القول بالصحّة في الثانية أيضاً، لأن المناط في المعاملات أن ينتقل الطرف إلى المعنى المقصود للمتعامل، وذلك عن طريق التلازم الموجود، فإذا كان المخاطب عالماً بالوضع والملازمة المذكورة، فإنه بمجرّد سماعه للّفظ ينتقل منه إلى المعنى، لأن العلم بأحد المتلازمين علم بملازمه، وكذا لولم يكن هناك وضعٌ وعلم بالمعنى الموضوع له، بل استعمل اللّفظ مجازاً وكانت دلالته على المقصود بالقرائن، لوحدة الملاك، وهو أن العلم بأحد المتلازمين علم بملازمه، فإنّه يحصل الانتقال إلى المعنى كذلك إذا كان السّامع عالماً بالقرائن الملازمة للمقصود.
وعليه، فلو قال «أبيع» ونصب القرينة ـ لفظيّةً أو حاليةً أو مقاميةً ـ على إرادته معنى البيع، ـ وكان السّامع عالماً بالملازمة كما تقدّم ـ كان العقد صحيحاً وترتب عليه الأثر، وإنْ كان لم يتكلّم بالعربيّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *