هل الاعتبار بقيمة بلد المطالبة أو التلف أو الأعلى منهما؟

هل الاعتبار بقيمة بلد المطالبة أو التلف أو الأعلى منهما؟
قال الشيخ:
ثم إنك قد عرفت أن للمالك مطالبة الضّامن بالمثل عند تمكّنه ولو كان في غير بلد الضمان، وكانت قيمة المثل هناك أزيد.
وأمّا مع تعذّره وكون قيمة المثل في بلد التلف مخالفاً لها في بلد المطالبة، فهل له المطالبة بأعلى القيمتين أم يتعيّن قيمة بلد المطالبة أم بلد التلف؟ وجوه.
وفصّل الشيخ في المبسوط…».
أقول:
هذا مبنيٌّ على قول المشهور أنّ المثل في المثلي، وأنه إذا تعذّر وجب عليه دفع البدل، ولكنه لم يذكر في الوجوه بلد الأداء.
وقبل الورود في البحث، نذكر مقدّمتين:
الاُولى: إنّ اشتغال الذمّة ليس بضمان، فلو اشترى شيئاً نسيئةً فذمّته مشغولة بالثمن، لا أنه ضامن له، وفي بيع السّلم تشتغل ذمة البائع بالمبيع وليس بضامن له، لأنّ الضّمان ـ كما تقدّم ـ كون الشيء على العهدة، فإنْ كان له وجود خارجاً وجب عليه إرجاعه إلى صاحبه، أو إلى محلّه كمن أخرج شخصاً من بيته ليلاً فهو ضامن بإرجاعه إلى بيته، وكذا المشتري، فإنه يضمن بدل المبيع ببدله المسمّى، أو الواقعي ـ وهو المثل أو القيمة ـ إنْ تلف.
والحاصل: إنّ الكفالة بإرجاع العين أو بدلها وهي الضّمان شيء، واشتغال الذمّة شيء آخر. وبعبارة اخرى: إنّ الضّمان يتعلَّق بالعين، فما دامت موجودةً ويمكن إرجاعها، وجب عليه الإرجاع، وإن كانت موجودة ولا يمكن إرجاعها، وجب عليه بدل الحيلولة، وإن كانت تالفةً وجب عليه دفع المثل إنْ وجد، وإنْ تعذّر وجب علهى دفع قيمة العين التالفة لا قيمة المثل.
الثانية: إنّ التلف من شئون وجود الشيء، والمماثلة تنسب إلى الوجود ويقال وجودان متماثلان، والتمكّن والتعذّر من أحوال الوجود، وكذا الماليّة، وعليه، فإذا تلف الشيء كان الثابت في الذمّة اعتباراً هو الماهيّة، فإنْ كان لها قابليّة الوجود في ضمن فرد مشابه للتالف، كان التالف مثليّاً وإلاّ فهو قيمي، فالمعتبر في الذمّة ليس هو الوجود الخارجي للمماثل، فلا معنى لأنْ يقال بأنّ المثل في الذمّة.
وعلى الجملة، فكلّ شيء إذا تلف انعدم وجوده، فإنْ كانت ماهيّته الطبيعية قابلةً لأنْ تصدق على أفراد متشابهة، فالتالف مثليّ وإلاّ فهو قيمي.
فظهر: إن القول بأنّ الإنسان يضمن المثل إذا كان التالف مثليّاً باطل، لأنّ المثل هو الموجود المماثل للتالف، والوجود لا يأتي إلى العهدة والذمّة.
وعلى هذا، فلو حصل المثل في الخارج، فلا إشكال في وجوب ردّه وبذلك تبرء الذمّة، وأمّا إذا تعذّر المثل واستقرّ في الذمّة قيمة التالف، فإنْ كان التلف في وقت الرّخص وجب عليه قيمة ذلك الوقت، وإنْ كان في وقت الغلاء، وجب عليه قيمة ذلك الوقت، وإنْ كان في وقت متوسّط بين الرّخص والغلاء، وجب عليه قيمة ذلك الوقت.
وبهذا تعرف: أنْ لا موضوع للوجوه المذكورة أصلاً.
وكذا الكلام في اُجرة المثل، فلو جلس في دار غيره غصباً، لم ينظر إلى بلد المطالبة أو التلف وغير ذلك، بل ينظر إلى الوقت الذي وقع فيه الغصب وما كان يحصل عليه صاحب الدّار لو آجرها في ذلك الوقت.
وكلّ ذلك لأنّ الذي يكون على الذمّة هو بدل التّالف مثلاً أو قيمة، فإذا تعذّر المثل وجب دفع قيمة التالف، فإنّ ذلك هو المخرج عن عهدة الخسارة الواردة على المالك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *