في معنى الحديث: الخراج بالضّمان

في معنى الحديث: الخراج بالضّمان
إنما الكلام في معنى هذا الحديث، ففيه احتمالات:
منها: ما ذكره المحقق الخراساني، بجعل الخراج بالمعنى المصطلح عليه شرعاً، وهو ما يضعه الوالي على الأراضي المفتوحة عنوة، قال:
لاحتمال أنْ يكون المراد به هو أنّ خراج الأرض كمّاً وكيفاً على من ضمنها إنما هو بحسب ضمانها(1).
وهذا بعيد جدّاً، بالنظر إلى الحديث في سنن ابن ماجة وأبي داود[1]، فالمعنى المذكور غير مطابق للحديث ولكلمات الفقهاء، كالشيخ وابن حمزة والعلاّمة وغيرهم(2).
[1] أخرج أبو داود السّجستاني، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة، وابن أبي شيبة، والحاكم بأسانيدهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: «إنّ رجلاً اشترى من رجل غلاماً في زمن النبي صلّى اللّه عليه وآله، فكان عنده ما شاء اللّه، ثم ردّه من عيب وجد به. فقال الرجل حين ردّ عليه الغلام: يا رسول اللّه، إنه كان استغلّ غلامي منذ كان عنده. فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله: الخراج بالضمان»(3).

ومنها: إن «الخراج» بالمعنى اللغوي، و«الضمان» مصدر ضمن يضمن، يعني: إنّ من ضمن الشيء على الحقيقة فله فوائده وعوائده، فيكون الحديث ـ على هذا ـ خاصّاً بالمعاملة المعاوضيّة الصحيحة.
وهذا هو الذي فهمه المشهور.
ومنها: إنّ الخراج بالمعنى اللغوي والضمان مصدر، ولكنّه أعمّ من أنْ يكون ضماناً حقيقيّاً أو صوريّاً، فيشمل المعاملة الفاسدة، حيث أنه يضمن الشيء فيها ولكنْ لا واقعيّة لذلك لفساد العقد.
فالخراج ملك للضامن بسبب ضمانه ـ سواء كان واقعيّاً أو صوريّاً ـ لا ثبات له في نفس الأمر.
وهذا ما فهمه صاحب الوسيلة.
ومنها: أن يكون المعنى: أنّ الخراج بضمان ذلك الخراج، فمنفعة الدار المستأجرة ـ وهي سكناها ـ بالضمان أي بالاُجرة، ومنفعة البُستان المستأجرة ـ وهي ثمارها ـ بالضمان أي بالاجرة، ومنفعة الدابة المستأجرة ـ وهي ركوبها ـ بالضمان، أي بالاجرة… وهكذا، فالمراد من «الضمان» هو «العوض» لا «العين».
وهذا خلاف الظاهر.
ومنها: إن «الضّمان» بالمعنى الاسم مصدري، أي: كلّما ضمن الإنسان شيئاً فمنافع ذلك الشيء له، فيشمل المال المغصوب أيضاً. كما هو فتوى أبي حنيفة، وسيأتي الخبر.
ومنها: ما ذكره البعض ـ ونسبه إلى شيخ الطائفة بالنظر إلى قوله: «لأنه لو تلف» ـ أن من ضمن شيئاً وتلف، فعليه دفع قيمته أو مثله.
لكنّ الظاهر أنه ليس مراد الشيخ، بل مراده: أن من أخذ الشيء بعوض فتلف، كان تلفه في ملكه، ولو كان معيباً سقط الخيار وله أخذ الأرش، وذلك لأنه قال: معناه أنّ الخراج… .

(1) حاشية المكاسب: 34.
(2) مختلف الشيعة في أحكام الشريعة 5 / 181، المهذّب البارع في شرح المختصر النافع 2 / 381.
(3) سنن أبي داود 3 / 304، سنن النسائي 7 / 254، سنن الترمذي 3 / 581، سنن ابن ماجة 2 / 754، المصنف 6 / 324، المستدرك على الصحيحين 2 / 18 واللّفظ له، وقد وافقه الذهبي على التصحيح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *