في مبنى القضيّة السّالبة في القاعدة

في مبنى القضيّة السّالبة في القاعدة
قال الشيخ:
ثم إن مبنى هذه القضية السالبة… هي الأولويّة… .
أقول:
نصّ عبارة شيخ الطائفة في الرهن(1) هو: لأن صحيح الرهن غير مضمون عليه، فكيف فاسده؟
وقد فسّر الشيخ كلمة «فكيف…» بالأولويّة.
وتوضيحه: إن الصحيح من العقد إذا لم يقتض الضمان مع إمضاء الشارع له، فالفاسد الذي هو بمنزلة العدم لا يؤثّر في الضمان، لأنّ الضمان: إمّا من الإقدام والمفروض عدمه، وإلاّ لضمن بصحيحه، وإمّا من حكم الشارع بالضمان بواسطة هذه المعاملة الفاسدة، والمفروض أنها لا تؤثر شيئاً.
فظهر الفرق بين مسلكه ومسلك جامع المقاصد الذي تمسّك بأصالة عدم الضمان، لأنّ موضوع الأصل هو الشك في الموجب، ومفاد كلام الشيخ عدم الشك، بل يقطع بعدم الضّمان لعدم الموجب له، لأن إحراز عدم العلّة إحراز لعدم المعلول.
ثم قال الشيخ:
ووجه الأولويّة: أن الصحيح إذا كان مفيداً للضمان أمكن أنْ يقال… لكنْ يخدشها… .
توضيحه: إن الضّمان في العقود التي يضمن بصحيحها مستند إلى قاعدة الإقدام، لكنْ يمكن القطع بعدمه في فاسدها، لأنّ الذي وقع الإقدام عليه ـ وهو العوض المسمّى ـ غير نافذ، وأمّا المثل أو القيمة فلم يقدما عليه من الأوّل، أمّا التي لا ضمان في صحيحها، فلا ضمان في فاسدها بالأولويّة.
لكنّ الظاهر أنّ مراد شيخ الطائفة هو: إنّ الضّمان في الفاسد فرع للضمان في الصحيح، فإذا لم يكن في الأصل ففي الفرع بالأولويّة.
وقد خدش الشيخ الأولويّة بأنّه: يمكن أن يقال: بأنّ حكم الشارع بالصحّة فيما لا يضمن بصحيحه هو الموجب لعدم الضّمان، أمّا في الفاسد، فاليد موجودة ولا تسليط من الشارع، فالضمان ثابت.
ومثال ذلك: في الرهن حكم للشارع بتسليط الراهن المرتهن على العين المرهونة، وحكم في الإجارة بتسلّط المستأجر على العين المستأجرة، أمّا في الفاسد من الرهن والإجارة، فلا تسليط من الشارع والعين بيد المرتهن والمستأجر، واليد موجبة للضّمان.
وجواب هذه الخدشة في قوله:
فإن قلت: إنّ الفاسد وإنْ لم يكن له دخل في الضمان إلاّ أنّ مقتضى عموم على اليد هو الضمان، خرج منه المقبوض بصحاح العقود… وبقي الباقي.
أي: إن موجب الضمان، إن كان قاعدة الإقدام، فهو منتف فيما لا يضمن بصحيحه كذلك في فاسده، لكن هنا موجباً آخر له وهو عموم قاعدة اليد، فمقتضى اليد في الفاسد هو الضمان، فلو تلف الثوب في يد الأجير لغسله لم يضمنه في صحيح الإجارة، أمّا في فاسدها فمقتضى اليد هو الضّمان، وهكذا في الوكالة والعارية، إلى غير ذلك.
فللضمان سببان، أحدهما: الإقدام، وهذا غير موجود في الفاسد ممّا لا يضمن بصحيحه، والآخر: اليد، وهذا موجود في الإجارة والعارية والوكالة الفاسدة.
فأجاب قائلاً:
قلت: ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به المقبوض بفاسدها، وهي عموم ما دلّ على أن من لم يضمّنه المالك… فهو غير ضامن. أمّا في غير التمليك بلا عوض ـ أعني الهبة ـ فالدليل المخصص لقاعدة الضمان عموم ما دلّ على أنّ من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن… وأما في الهبة الفاسدة، فيمكن الاستدلال على خروجها… .
يعني: إن قاعدة اليد محكّمة لكنّها مخصّصة بالنصوص الدالّة على عدم الضمان في الوديعة والوكالة والإجارة:
كقوله عليه السلام: «ليس على مستعير عارية ضمان»(2).
وقوله عليه السلام: «صاحب العارية والوديعة مؤتمن»(3).
وقوله عليه السلام: «صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان»(4).
بل في بعضها:
«ليس لك أنْ تتّهم من قد ائتمنته، ولا تأتمن الخائن وقد جرّبته»(5).
فالشيخ يوافق على عموم قاعدة اليد، ويجيب بكونها مخصَّصةً بهذه الأدلّة الشرعيّة، وعمومها يشمل صحيح ما لا يضمن وفاسده أيضاً.
فإنْ قلت: لا يوجد نصّ على عدم الضمان في الهدية، فمقتضى القاعدة هو الضمان في الهدية الفاسدة وإنْ لم يكن في الصحيحة.
فأجاب بعدم وجوب الضمان فيها بدليل الأولويّة.
وأشكل المحقق الخراساني(6): بأنّ عدم الضمان في تلك الموارد يختصُّ بالتلف السمّاوي، أمّا مع التعدّي والتفريط فالضمان ثابت.
وأمّا الهبة، فعدم الضمان ثابت سواء في التلف والإتلاف، فالاستدلال بالفحوى في غير محلّه، لأن عدم الضمان في الوديعة وغيرها مغايرٌ لعدمه في الهبة.
ولقد كان الأولى أنْ لا يسلّم بعموم القاعدة، لما كرّرنا من أنها اقتضائية، فتؤثّر إنْ لم يكن هناك مانع، وإذن المالك بالتصرّف مانع، وهو بتسليم العين موجود في جميع الموارد المذكورة، ولو قيل بأنّ إذنه مبني على اعتقاده بصحة العقد، فقد قلنا أنه في القضايا الخارجية لا يكون الاعتقاد مضيّقاً، فتخلّف الداعي لا يخرج العين عن كونه مأذوناً فيه.
فعلى هذا، فإن المانع عن تأثير قاعدة اليد هو الإذن المالكي، وهو متحقق في الموارد كلّها والهبة بلا فرق… .

(1) المبسوط 2 / 204.
(2) وسائل الشيعة 19 / 93، باب ثبوت الضمان على المستعير، الرّقم: 6.
(3) نفس المصدر.
(4) نفس المصدر، وأيضاً: 19 / 79، باب أن الوديعة لا يضمنها المستودع، الرّقم: 1.
(5) وسائل الشيعة 19 / 81 ، نفس الباب، الرّقم: 10.
(6) حاشية المكاسب: 33.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *