على من تكون مؤونة الرّد؟

على من تكون مؤونة الرّد؟
وأمّا الخامسة، فقد قال الشيخ:
بل صرّح في التذكرة(1) ـ كما عن جامع المقاصد(2) ـ أن مؤونة الردّ على المشتري، لوجوب ما لا يتم الردّ إلاّ به. وإطلاقه يشمل ما لو كان في ردّه مؤونة كثيرة، إلاّ أنْ يقيّد بغيرها بأدّلة نفي الضّرر.
أقول:
إنه في كلّ مورد وجب فيه ردّ المقبوض بالعقد الفاسد إلى مالكه وتوقّف الرد على بذل المؤونة، فهل على الآخذ بذلها؟ فيه أربعة وجوه أو أقوال:
الأوّل: وجوب تحمّل المؤونة على المشتري مطلقاً.
والثاني: عدم وجوب تحمّلها عليه مطلقاً.
والثالث: التفصيل بين المؤونة الكثيرة وغير الكثيرة. وعليه الشيخ.
والرابع: التفصيل بين كونها من اللّوازم العادية فتجب عليه، وغير العادية فلا تجب. وعليه المحقق الخراساني وشيخنا الاستاذ.
والعمدة في المقام: قاعدة لا ضرر، فنقول:
إنّ من الأحكام ما يترتّب دائماً على الأمر الضرري، كوجوب الزكاة والخمس مثلاً، أو هو في معرض الضرر، كوجوب الجهاد، ففي هذه الأحكام لا حكومة للقاعدة، لأنه يلزم من حكومتها لغويّة تلك الأحكام كما لا يخفى.
ومن الأحكام ما يتوقف ترتّبه على الموضوع على مقدمات مستلزمة غالباً لبذل المؤونة، كما في امتثال الحكم بالحج أو أيّ سفر واجب، ولا لحكومة للقاعدة هنا كذلك، للزوم تخصيص الأكثر المستهجن. بل ربما يكون الحكم كذلك في صورة التساوي بين موارد لزوم المؤونة وموارد عدم لزومها، للزوم الاستهجان في هذه الصورة أيضاً.
وكان الميرزا الاستاذ يصرّح بأنه إذا وجب الردّ، وكان بذل المؤونة مقدمةً له، ـ ومورد المعاملات غالباً هي الأمتعة المستلزم حملها وإيصالها إلى المالك استيجار أو استخدام الوسيلة الموصلة إليه ـ وجب عليه تحمّل المؤونة، ولا يرتفع الحكم بدليل لا ضرر. نعم، لو لم تحصل الوسيلة إلاّ باُجرة زائدة على المتعارف أو استلزم الردّ الضرر في بعض الموارد النادرة أكثر من المؤنة المتعارفة، جرت القاعدة.
وهذا واضحٌ على مبناه في قاعدة لا ضرر ـ تبعاً للشيخ ـ من أنّ مفادها نفي الحكم الضرري، وكذا على مبنى المحقق الخراساني ـ وهو المختار ـ من أنها تنفي الموضوع الضرري نفياً تشريعيّاً على التعبير الصحيح.
أمّا على الأوّل، فالضرر عبارة عن الخسارة، وسببها فعل المكلّف وعمله الخارجي، والحكم الشرعي معدّ للخسارة، وحيث أنّ العمل الخارجي لا يقبل النفي، فقد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، ولمّا كان منطوق الحديث نفي الخسارة، فإرادة نفي السبب من نفي الخسارة، وإرادة نفي الحكم من نفي السبب بعيد جدّاً.
مضافاً إلى رواية الشيخ الصّدوق من أنه قال صلّى اللّه عليه وآله: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»(3). فالمراد نفي الحكم الضّرري في الشرع، وضرريّة الحكم تحقّق بوقوع الخسارة، سواء كان بنفس العمل أو بمقدماته.
وهذا تقريب مسلك الشيخ في القاعدة، وعليه يتمُّ القول بوجوب تحمّل المشتري للمؤونة، لكون الردّ مستلزماً لها غالباً، لعدم جواز التمسّك بالقاعدة حينئذ للزوم تخصيص الأكثر المستهجن، إلاّ أنْ تكون المؤونة زائدةً على المتعارف كما تقدم.
وأمّا على الثاني، فإنّ كلّ موضوع ضرري فحكمه مرتفع، لأنّ ثبوت الموضوع تشريعاً بثبوت حكمه وانتفاؤه تشريعاً بانتفاء حكمه، لأن المولى عندما يريد الشيء في مقام التشريع، يكون وجود الشيء مع إرادته له وجوداً واحداً، فالحكم المنشأ على موضوع يتحد معه في مقام التشريع، ونفي الموضوع تشريعاً عين نفي الحكم، فعدم الموضوع تشريعاً عبارة عن عدم حكمه، وعليه، ففي موارد عدم كون الموضوع في نفسه ضررياً يكون لا ضرر حاكماً، كما في الوضوء والغسل والصوم مثلاً، وأمّا إن كانت مقدماته ضرريّةً، فبأيّ دليل تنفى المقدّمات؟
وعلى الجملة، فإن الحكم ـ وهو الردّ ـ ليس بضرري، والضرري هو المقدمات والمفروض عدم توجّه النفي إليها، فلا دليل على نفي وجوب تحمّل مؤونة المقدّمات، بل عليه تحمّلها كلّها.

(1) التذكرة 1 / 495.
(2) جامع المقاصد 4 / 435.
(3) معاني الأخبار: 281.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *