دليل القول بلزوم التقديم

قال الشيخ:
الأشهر ـ كما قيل ـ لزوم تقديم الإيجاب على القبول،… ولعلّه الأصل بعد حمل آية وجوب الوفاء على العقود المتعارفة كإطلاق البيع والتجارة في الكتاب والسنّة.
أقول:
فيه ثلاثة أقوال:
الأوّل ـ وهو الأشهر ـ عدم جواز تقديم القبول مطلقاً.
والثاني: الجواز. قال به بعض الأكابر.
والثالث: عدم الجواز إن كان بلفظ قبلت ورضيت وبصيغة الأمر، وإن كان بلفظ اشتريت وابتعت وتملّكت، فالجواز. واختاره الشيخ.

دليل القول بلزوم التقديم
استدلّ للأوّل:
بأنّ آية الوفاء(1) وإنْ دلّت على الصحّة، لأن وجوب الوفاء يدلّ بالملازمة على الصحّة، إذ لا يعقل الأمر بالوفاء بما هو غير صحيح، لكنّ اللاّم في «العقود» للعهد كما يستفاد من كلمات صاحب الرياض أيضاً(2)، فتكون الآية مختصة بالعقود المتداولة في عصر نزولها، فما لم نتيقّن بكون العقد مع تقدّم القبول من العقود المتعارفة في ذلك العصر، لا يمكننا القول بصحته ووجوب الوفاء به، ولعلّ هذا مراد شيخ الطائفة من أنّ البيع مع تقديم الإيجاب «مجمع على ثبوت العقد به»(3).
وبالجملة، لمّا كانت اللاّم للعهد، أي العقود المتعارفة، فإن العقد مع تقديم الإيجاب متيقّن دخوله تحت الآية، وأمّا مع تقديم القبول فمشكوك فيه، فلا دليل على صحته.
وربما يشكل في عموم الآية، بالعلم الإجمالي بالتخصيص، فإنه مانع من التمسّك بعمومها، وكذا الكلام في الآية (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)(4) للعلم الإجمالي بالتقييد.
قال الشيخ:
وزاد بعضهم: أن القبول فرع الإيجاب فلا يتقدّم عليه، وأنه تابع له فلا يصحّ تقدّمه عليه.
أقول:
ظاهر العبارة أنه وجهان، أحدهما: الفرعيّة، والآخر: التبعيّة، لكنّه في عباراتهم وجه واحد، وكيف كان، فكأن الأصل في المعاملات هو الإيجاب لأنه الأساس، لأنّ الموجب يملّك ماله بعوض، فهو الذي يخرج المال عن ملكه ويدخل مال المشتري في ملكه، والذي يكون من المشتري هو مجرّد الرّضا بما فعله البائع، لذا يكون قبوله فرعاً لإيجاب البائع، والفرع لا يتقدّم على الأصل.
ولعلّ مراد الشّيخ من التبعيّة: أن القبول مضاف إلى البيع، والمضاف تابع للمضاف إليه، كما هو واضح، فلابدّ من وجوده حتّى يضاف إليه، وعليه، يكون الإيجاب هو المتقدّم.

(1) سورة المائدة: 1.
(2) رياض المسائل 8 / 113 ـ 114.
(3) كتاب الخلاف 3 / 40.
(4) سورة البقرة: 275.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *