تفصيل الميرزا النائيني

تفصيل الميرزا النائيني
وقد كان للميرزا الاستاذ تفصيل آخر، وهو بتقرير منّا:
إنه إنْ أنشأ البيع باللّفظ المجازي أو المشترك اللّفظي، على أنْ يكون الإنشاء بنفس اللَّفظ والقرينة دالّة على كونه بنفس اللّفظ، أو أنشأ باللّفظ المشترك وجاء بالقرينة المعيّنة لأحد المعنيين، فلا إشكال. أما لو كان إنشاؤه على أن المجموع من اللفظ والقرينة هو الدالّ على المعنى المقصود، لم يكن مؤثراً، وذلك لأن عناوين المعاملات معان بسيطة، والبسائط دفعيّة الوجود ولا يعقل التدرّج في وجودها.
وأما المشترك المعنوي ـ وهو على التحقيق: استعمال اللّفظ في المعنى الجامع وفهم الخصوصيّة بدالٍّ آخر ـ فتارةً: يكون المشترك الجامع البعيد، وأخرى: يكون الجامع القريب، والخصوصيّة تارةً: هي منوّعة واُخرى مصنّفة، فقال: إنّ التمليك معنىً جامع بين تمليك العين وهو البيع وتمليك المنفعة وهو الإجارة، وله خصوصيّات، فقد يكون تمليك بضمان وقد يكون بدون ضمان، وقد يكون بعوض وقد يكون لا بعوض. فالتمليك جنس قريب أو نوع، وهذه الخصوصيّات صنفيّة خارجة عن ماهيّته. فإذن: لو قال: ملكتك هذا، فقد وقع الإنشاء، وتلك الخصوصيّات خارجة، ولو قال: زوّجتك، فقد أنشأ التزويج، ولكنّ خصوصية كونه إلى أمد، أو بدون أمد فخارجة عن الماهيّة.
وعليه، فلو أنشأ البيع بلفظ «التمليك» الجنس القريب المشترك بين الخصوصيّات، صحّ البيع وتكون القرينة معيّنةً للخصوصية المقصودة.
وأمّا لو أنشأ البيع بلفظ مشترك هو جنس بعيد، كما لو قال: «نقلت»، الذي يعمّ نقل الحجر من مكان إلى مكان، ونقل الإنسان من مكان إلى مكان، ونقل المتاع من مكان إلى مكان، ونقل المال من ملك إلى غيره، كانت الخصوصيّة البيعيّة المقصودة مستفادةً من دالٍّ آخر، وعليه، لم يكن قوله «نقلت» إنشاءً للبيع، لأنه إنما يكون انشاءً له إذا قال: «نقلت إلى ملكك» فكانت الدلالة من جهة القرينة، وأمّا اللفظ المشترك «نقلت» فلم يدل على البيع، فليس إنشاءً له.
فهذا وجه التفصيل بين المشترك اللفظي والمعنوي، والتفصيل في المعنوي بين الجنس القريب مثل «ملكّت» والجنس البعيد مثل «نقلت»، فالثاني غير محقق للبيع والأوّل محقّق له.
وخلاصة كلامه: إنه وإنْ كانت عناوين المعاملات مختلفةً في النوع، إذ البيع نوع، والإجارة نوع آخر، والهبة نوع ثالث، لكنها مشتركة في الملكيّة، وهي المعنى الجامع بينها ـ لكون البيع ملكاً للعين بعوض والهبة ملكاً لها بلا عوض، والإجارة ملكاً للمنفعة ـ فكانت شبيهةً للأصناف بالنسبة إلى النوع الواحد.
وبعبارة اخرى: تارة نلحظ العناوين بلا جهة جامعة بينها، واخرى: نلحظها مندرجة تحت جامع واحد.
قال: إن البسيط دفعي الوجود والتحقّق، ولا يعقل التدريجيّة له في مقام الوجود، وإلاّ يلزم الخلف ـ فهذا ما أراد إفادته هنا، لا أنّ المعنى البسيط لابدّ من صدوره من العلّة البسيطة فذاك أمر آخر ـ وإذا كانت الملكيّة ماهيةً مستقلّة بسيطة هي بمثابة النوع للأصناف، والخصوصيّات المصنّفة خارجة عن الماهية، فلو أنشأ هذه الماهية البسيطة الواحدة وكانت خصوصياتها المميّزة متدرّجة في الإفادة فلا مانع، أمّا لو أنشأ الجامع البعيد ـ كما لو قال: بادلت مالي بمالك، المناسب للملكيّة وغيرها، أو قال «نقلت» المناسب للتمليك وغيره كما تقدم ـ لم تتحقّق الملكيّة، فلو قال بعد ذلك: «بعوض معيّن» لم تتحقق الملكية كذلك، لعدم إفادتها لها، وإنْ أراد إنشاء البيع بمجموع «نقلت» و«بعوض معين» لزم التدرّج في الوجود، وهو في الأمر البسيط غير معقول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *