بيان عموم القاعدة

والكلام الآن في عموم القاعدة:

بيان عموم القاعدة
قال الشيخ:
ثم العموم في العقود ليس باعتبار خصوص الأنواع، لتكون أفراده مثل البيع والصّلح والإجارة ونحوها، لجواز كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان، وإنما المقتضي له بعض أصنافه… .
فهل المراد من هذا العموم الأنواع، من البيع والصلح والإجارة ونحوها، فكلّ ما يضمن بصحيحه منها يضمن بفاسده، أو الأصناف، فكلّ صنف يضمن بصحيحه… أو الأشخاص والأفراد؟
قد قرّرنا في الاصول أن أداة العموم موضوعة لاستيعاب ما هو المكثّر لوجود المدخول وهو الفرد، فمدخول «كلّ» هو العموم الأفرادي، وذلك، لأنّ الطبيعة أمرٌ واحد، وإنما تتكثّر بخصوصيّاتها الوجودية، فمقتضى القاعدة أنْ تستوعب الأداة جميع الخصوصيّات الموجودة خارجاً، ولذا يكون الاستغراق أفراديّاً دائماً.
لكنّ الشّيخ ضعّف القول بالعموم الأفرادي في القاعدة قائلاً:
وربما يحتمل في العبارة أن يكون معناه: أنّ كلّ شخص من العقود… ويضعّف… .
توضيحه: إنّ ظاهر العبارة هو لإنقسام العقد إلى الصحيح والفاسد بالفعل لا أنه منقسم إلى القسمين بالفرض والتقدير.
فالشيخ لا يوافق على العموم الأفرادي، كما لم يوافق على العموم الأنواعي، لأنّ بعض الأنواع بخصوصيّته النوعيّة غير مقتض للضمان، وإنما المقتضي له بعض أصناف النوع، فالصّلح ـ مثلاً ـ لا يوجب الضمان بنفسه، بل الموجب له منه هو المشتمل على المعاوضة.
فالمختار عنده هو الأعم من النوع والصنف.
أقول:
ليس القضيّة الحقيقيّة ـ كما يقولون في المنطق ـ ما يكون الموضوع فيها شاملاً للأفراد المقدّرة الوجود، بل هي لحاظ الكلي الطبيعي بنحو صرف الوجود، فيعم الأفراد الفعلية والأفراد المقدّرة الوجود.
ولقد أجاد الميرزا الاستاذ قدّس سرّه إذ قال:
إن الأحكام الشرعية كلّها بنحو القضايا الحقيقيّة، فكلّ عقد يضمن بصحيحه يعني: كلّ عقد وجد في الخارج وكان صحيحاً فهو لو وجد في الخارج وكان فاسداً يضمن كما يضمن إذا كان صحيحاً.
وبعبارة اخرى: كلّ عقد لو وجد صحيحاً وكان موجباً للضمان، فهو لو وجد فاسداً كان موجباً له أيضاً.
فالمناط هو القضيّة الحقيقيّة، ولا بحث حينئذ عن كون العموم أفرادياً أو صنفيّاً أو نوعيّاً.
ولذا أشرنا سابقاً إلى أن الأولى ـ كما في كلمات كثير من الأعيان ـ التعبير بـ«كلّ ما كان…» بدلاً عن «كلّ عقد…»، لكن الشّيخ لمّا عبّر بالثاني، احتاج إلى البحث المزبور.
قال الشيخ:
ثم المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان اقتضاؤه له بنفسه، فلو اقتضاه الشرط المتحقّق في ضمن العقد الصحيح، ففي الضمان بالفاسد من هذا الفرد المشروط فيه الضّمان تمسّكاً بهذه القاعدة إشكال… .
أقول:
لو باع بلا ثمن أو آجر بلا أجرة، فهل يكون ضامناً أوْ لا؟
قيل: إنّ عموم القاعدة يشمله، فهكذا بيع أو إجازة لو فرض صحيحاً لم يوجب الضمان لكونه بلا عوض، فهو الآن حيث أنه فاسد لا يوجبه.
واختار الشيخ ثبوت الضمان بناءً على ما ذهب إليه من أن الموضوع في القاعدة هو صنف العقد الذي وجد له بالفعل صحيح وفاسد، والبيع من هذا القبيل.
ولكنّ هذا بعيد جدّاً، لأنّه لا يعقل قصد حقيقة البيع في البيع بلا ثمن، لأن الثمن ركن فيه حقيقةً، فقصد البيع مع كونه بلا ثمن تناقض لا يصدر من العاقل. وكذا الأجرة في الإجارة، فيكون مراده من بعتك بلا ثمن بقرينة «بلا ثمن» هو الهبة، ولو قال: آجرتك بلا اُجرة، فمراده بقرينة «بلا اجرة» هو العارية، ولا ضمان في العارية كما لا ضمان في الهبة.
فسواء قلنا بأنّ المراد من عموم العقد هو الأفرادي أو الأصنافي، لا وجه للقول بثبوت الضمان في المثالين.
ولو أنّ العقد لم يكن معاوضيّاً ولكنّه تضمّن شرطاً يقتضي المعاوضة، فهل تجري فيه القاعدة؟
قال السيّد معترضاً على الشيخ:
بل لا إشكال في أنّ المراد أعم من أن يكون اقتضاء الصحيح بنفسه أو بضميمة الشرط، فإنّ العقد مع الشرط ومجرّداً عنه صنفان متغايران، وبعد إرادة الصنف من مدخول كل لا يبقى الإشكال(1).
وأشكل عليه شيخنا الاستاذ:
«المراد من صنف العقد في قبال نوعه وشخصه حصصه الذاتيّة ـ أي حصص العقد بما هو عقد ـ فلابدّ أن يكون القيد بحيث لا يأبى المجموع عن صدق العقد عليه، ومن الواضح أن العقد المشترط فيه الضمان عقد وشرط، لا أن المجموع عقد، فالقيود الخارجة عن العقد وانْ كانت محصصّة له إلاّ أنها تحصّصه، بحصص مؤتلفه من عقد وغير عقد، والمفروض إسناد الضمان إلى العقد بمجرّده»(2).
والتحقيق أن يقال:
إن المناط في القاعدة: إن كلّ يد أوجبت الضمان في العقد الصحيح فهي موجبة له في العقد الفاسد، فالموضوع هو «اليد» لا «العقد»، وعليه، فإنْ كان الشرط يتعلّق باليد، كما لو شرط الضّمان في الإجارة بالتلف السّماوي ـ بناءً على صحة هذا الشرط ـ فإنّ العين في يد الآخذ وملاك الضمان متحقّق، وكذا في العارية المضمونة، وإنْ كان الشرط غير مربوط باليد، فهو خارج عن محلّ الكلام.
فلا يمكن المساعدة على كلام السيّد، ولا يرد كلام شيخنا على كليّته عليه، بل يدور الأمر مدار الملاك وهو «اليد».

(1) حاشية المكاسب 1 / 456.
(2) حاشية المكاسب 1 / 308.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *