الكلام في الأعمال التي لا يرجع نفعها إلى الضامن

الكلام في الأعمال التي لا يرجع نفعها إلى الضامن
قال الشيخ:
ويبقى الكلام حينئذ في بعض الأعمال المضمونة التي لا يرجع نفعها إلى الضامن ولم يقع بأمره، كالسبق في المسابقة الفاسدة، حيث حكم الشيخ والمحقق وغيرهما بعدم استحقاق السّابق اُجرة المثل، خلافاً لآخرين. ووجهه… .
أقول:
إنّ المسابقة عقد مشروع مستقلّ مبحوث عنه في كتاب السّبق والرّماية، وهو من العقود اللاّزمة، يتعاقدان على أنْ يكون السَّبَقُ لمن سبق، ويكون السَّبَق من أحدهما أو من كليهما.
فإنْ كان العقد صحيحاً، فالضمان ـ وهو كون السَّبَق للسابق ـ ثابت، وأمّا إنْ كان فاسداً، فحكم شيخ الطائفة(1) وجماعة بأنْ لا ضمان بالنسبة إلى اُجرة المثل، فكان ما يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده. وذهب العلاّمة والمحقق الثاني(2) وآخرون إلى ثبوته أخذاً بالقاعدة.
وقد اختار الشيخ القول الأوّل، فالقاعدة على هذا القول منتقضة، والوجه في ذلك هو:
إنّ الأدلّة التي أقامها الشيخ على الضّمان في المنافع والأعمال غير جارية هنا، وذلك، لأن موجب الضمان إمّا هو الانتفاع بمال الغير فيجب عليه التدارك، وإمّا أنْ يأمر الغير على عمل، وعمل المسلم محترم، فتجب عليه اُجرته، وإمّا هو الإجارة أو الجعالة الصحيحة، فيجب عليه دفع العوض المسمّى.
والمسابقة الفاسدة ليست بإجارة أو جعالة، ولا يترتّب عليها ضمان المسمّى لعدم صحّتها، والعمل الذي قام به لم يقع بأمر الضّامن، وهو لم ينتفع بالعمل. وإذْ لا أمر ولا استيفاء للمنفعة ولا عقد يكون مؤثّراً في استحقاق الاُجرة والعوض، فلا ضمان[1].
[1] لكنْ في تعليقة المحقق الإيرواني: «المراد بالأمر في المقام بعث الغير نحول العمل لا خصوص الطلب، وهذا حاصل في المسابقة، لتضمّنها الالتزام بمال السبق، فإنّ البعث يحصل بكلٍّ من الكلب والوعد بالثواب والوعيد بالعقاب»(3).
وهذا غير واضح، لعدم وجود التزام إلاّ الالتزام العقدي، وإذا كان فاسداً لم تبق حرمة لعمله ليستحقّ شيئاً في مقابله.
وفي تعليقة المحقق الإصفهاني: «ربما يشكل دخول المسابقة في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، إذ لا ماليّة للعمل بحيث يتدارك بالعوض في الصحيح حتى يتدارك في الفاسد.
ويندفع: بأنّ مورد القاعدة هي المعاوضة، وكون العوض عوضاً عن السبق مما لا ريب فيه، غاية الأمر أن بذل العوض لعمل تارةً بلحاظ ماليّته واخرى بلحاظ غرض عقلائي أو شرعي ترتب على العمل المبذول بازائه شيء، ولا مخصّص للقاعدة بما إذا كان الداعي إلى التعويض ماليّة المعوّض، بل مجرّد كونه مضموناً بالعوض لأيّ غرض كان…»(4).

(1) أنظر: المبسوط في فقه الإمامية 6 / 302، شرائع الإسلام 2 / 240، مسالك الإفهام 6 / 109 ـ 110.
(2) أنظر: تذكرة الفقهاء 2 / 357، جامع المقاصد 8 / 337، إيضاح الفوائد 2 / 368.
(3) حاشية المكاسب: 94.
(4) حاشية المكاسب 1 / 326.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *