القول بتخيير المالك

القول بتخيير المالك
وأمّا القول بتخيير المالك، فقد قال الشيخ:
فإنْ فرض إجماع على خلافه، فالأصل تخيير المالك… والأقوى تخيير المالك من أوّل الأمر لأصالة الإشتغال، والتمسّك بأصالة البراءة لا يخلو عن منع.
أقول:
أمّا الإجماع، فإن كان المراد عدم قيام الإجماع على تخيير الضامن واقعاً، فهذا صحيح، إذْ لا يقول أحدٌ بأنّ الحكم الواقعي للضامن هو التخيير، إنما الكلام في مقتضى الأصل العملي، ولا ربط للبحث بالإجماع، على أنه لو فرض، فليس بالإجماع الكاشف.
وبالجملة، فإنا نعلم بأنّ الحكم الواقعي ليس هو التخيير، ولا أثر لدعوى الإجماع، مع أنه ليس بالإجماع الحجّة.
وأمّا أن الأصل عدم براءة ذمّة الضامن إلاّ بما يرضى به المالك.
ففيه: إنّ براءة ذمّته تحصل بإحضار المثل والقيمة عند المالك، فليس طريق تحصيلها منحصراً بتخييره، فالصّحيح أن يقال: الأصل عدم براءة ذمّة الضامن إلاّ بدفع ما يستحقّه المالك، وهو يحصل بإحضار القيمة والمثل لديه.
وأمّا التمسّك بقاعدة اليد، بتقريب: إن العين وإنْ تلفت خارجاً لكنّها ثابتة على ذمّة الضّامن اعتباراً، فذمّته مشغولة بها، فلو دفع أحد الأمرين ـ من المثل والقيمة ـ يقع الشكّ في الفراغ، فعليه أنْ يدفع إلى المالك خصوص ما يختاره.
ففيه: إنّ اليقين بالفراغ يحصل بإحضارهما لدى المالك على ما تقدّم.
وقد قرّب شيخنا الاستاذ تخيير المالك. ثم أجاب عنه قائلاً:
إنّ الكلام في إجراء الأصل بالإضافة إلى ما اشتغلت به الذمّة من المثل بالخصوص أو القيمة بخصوصها، وأمّا ما يرضى به المالك بدلاً عن البدل فهو قد يكون القيمة في المثلي مثلاً، وقد يكون شيئاً آخر غير المثل والقيمة ممّا لا ينضبط تحت ضابط ولا تعيينه محلّ الكلام.
ومن الواضح أن دفعهما معاً مستلزم لأداء ما في الذمّة، سواء رضي المالك بأحدهما بالخصوص أمْ لا، فلا يتوقف القطع بالبراءة بدفع ما يختاره المالك، ونسبة الأصل إلى كليهما على حدٍّ سواء»(1).
وأقول: إنّه لابدّ من تقييد رضا المالك برضا الضّامن حتى يندفع الإشكال بأنه إذا كان الملاك رضا المالك، فقد لا يحصل رضاه إلاّ بدفع كلا الشيئين أو شيء آخر غيرهما. ولكنْ إذا قيد رضاه برضا الضامن رجع الأمر إلى التصالح، وهذا خارج عن البحث.
بل التحقيق في الجواب هو ما ذكرناه من حصول اليقين بالفراغ بإحضار الشيئين لدى المالك، على ما تقدّم.
وبالجملة، ليس طريق تحصيل براءة ذمّة الضّامن منحصراً بتخيير المالك… فالقول به ساقط كذلك.

(1) حاشية المكاسب 1 / 360.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *