القول بتخيير الضامن

أقول:
قد اختلف كلامه قدّس سرّه، كما هو المشاهد من عباراته، ونحن نبيّن وجوه الأقوال ونتكلّم عليها:

القول بتخيير الضامن
أمّا القول بتخيير الضّامن، فقد استدلّ له بأصالة براءة ذمّته عمّا زاد على ما يختاره.
وهذا الاستدلال على ظاهره غير صحيح، لعدم كون ما يختاره متيقّن الوجود أو الثبوت حتى ينفى الزائد عليه بالأصل، فلابدّ من أنْ يكون مراده هو: إن الضّامن متيقّن باشتغال ذمّته بماليّة التالف، ثم إذا شك في أنه ـ بالإضافة إلى ذلك ـ ضامن لخصوصيّة المثليّة وخصوصيّة القيميّة أوْلا؟ فتكون الخصوصيّتان أمرين زائدين، فتجري فيهما البراءة، وحينئذ، يكون مخيَّراً في دفع أيّهما شاء حتّى يكون مؤدّياً للماليّة لعدم إمكان أداء الماليّة بوحدها.
فقال المحقق الخراساني: «لا يخفى أنه لو كان الضمان بالقيمة في القيميّات مجرّد إرفاق بحيث لو تمكّن من مثل العين التالفة وما يشابهها بحسب الصفات فيها كان له دفعه ولا يتعيّن عليه قيمته، كان الأمر من باب الدوران بين التخيير والتعيين، والأصل عدم الخروج عن العهدة إلاّ بالمعيّن، للشكّ في الخروج بدونه، فلا وجه للتخيير، ولو كان الضمان بها فيها على نحو التعيين، كان الأمر من باب الدوران بين المتباينين، ويتعيَّن فيه الاحتياط لا التخيير…»(1).
وتوضيح التباين هنا هو: إنّ القيمة عبارة عمّا يتقدّر به ماليّة الشيء، فهي المالية المقيّدة بكذا دينار أو درهم، والمثليّة كذلك، فهي عبارة عن الماليّة المقيدة بكونها مثل التّالف، فيكون الأمر دائراً بين المتباينين، والمحكّم أصالة الاحتياط لا التخيير.
لكنّ الميرزا الاستاذ قرّب تخيير الضّامن: بأنه وإنْ كان أمره مردّداً بين المتباينين، لكنّ الاحتياط بدفع كليهما متعذّر، لكونه معارضاً باحتياط المالك، لتردّده بين استحقاق المثل أو القيمة، فلا يجوز له أخذ كليهما ولا أحدهما المعيَّن لاحتمال أنْ لا يستحقّه، والأحد المردّد لا واقعيّة له ولا ماهيّة، فتنزّل وظيفة الضامن من الموافقة القطعيّة إلى الاحتماليّة، وهذا هو التخيير(2).
ويندفع: بأنه لو كان الأداء الرافع للضمان هو الإعطاء والأخذ من المالك، كان لما أفاده وجه، لكنّ الأداء في الحديث عبارة عن الإقباض، وهو يتحقق بالتخلية بين المال وبين المالك، وإذا فَعَلَ ذلك وقال له: إنّ أحدهما لك والآخر لي، فقد أدّى وظيفته وتحقق الغاية في الحديث، لكنْ ليس للمالك أن يأخذ كليهما معاً، أو أحدهما على ما ذكر، فإنْ تصالحا فهو، وإلاّ فالقرعة أو الرجوع إلى الحاكم أو التنصيف، فلا موضوع في المقام للمعارضة.
وأمّا ما يذكره الفقهاء من عدم تمشّي الإحتياط في الأموال بأن يدفع المثل والقيمة معاً، للتعارض بينه وبين قاعدة لا ضرر، ففيه:
أوّلاً: قد تقرّر في الأصول أن مجرى قاعدة نفي الضرر هو الأحكام الشرعيّة، ووجوب تحصيل العلم بفراغ الذمة حكم عقليّ، والقاعدة لا ترفع الأحكام العقليّة.
وثانياً: إنّ مقتضى الإحتياط هو التخلية بين المالك وبين المثل والقيمة على الترتيب الذي ذكرناه، نعم، لو كان الواجب هو تمليكهما إيّاه لكان لتوهّم المعارضة المزبورة مجال.
فالقول بتخيير الضّامن مردود مطلقاً.

(1) حاشية المكاسب: 35.
(2) وراجع: منية الطالب 1 / 137.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *