الإيجاب بلفظ اشتريت

الكلام في لفظ «اشتريت»
قال الشّيخ:
وأمّا الإيجاب بـ«اشتريت» ففي مفتاح الكرامة أنه قد يقال بصحّته… لكنّ الإشكال المتقدم في «شريت» أولى بالجريان هنا… ودفع الإشكال في تعيين المراد منه بقرينة تقديمه… غير صحيح… .
أقول:
الظّاهر ورود هذه الصيغة في مقام الايجاب، كما في مجمع البحرين من أنه: يقال: البيع الشراء والشراء البيع(1)، وهو منقول عن شرح القاموس(2)، وقد قيل في قوله تعالى (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ)(3): أي: باعوا أنفسهم(4)، لأن نفس الإنسان بيده لا بيد الغير حتى تشترى.
ولكنّ الشيخ أشكل بأنّ استعمال اشتريت في موضع بعت نادر بل انّه غير معهود، ولو قيل بأنّ تقديم اشتريت على قبلت قرينة على إرادة البيع، فهي قرينة حالية، وقد تقدّم اشتراط كونها لفظيّة. إلاّ أنْ يقال بكفاية استفادة المراد ولو بقرينة غير لفظيّة… وهو مشكل.
أقول:
قد ظهر ممّا تقدّم: أنّ المناط في المعاملة صراحة اللّفظ أو ظهوره ولو بمعونة القرينة، حاليّةً أو لفظيّة، وعليه، فلا إشكال في المقام.
وقد أشكل بعض الأكابر(5): بأنّ الاشتراء من باب الافتعال، وهي هيئة موضوعة لمطاوعة فعل الغير، فلا وجه لاستعمال اشتريت في موضع بعت، لأنه بمعنى طاوعت فعل الغير، فهو متمحّض في القبول.
لكنّ المتراءى من الاستعمالات هو: أن هيئة «افتعل» ليست للمطاوعة، بل هي موضوعة لاتخاذ المبدء، إمّا أنْ يتّصف به مثل اختفى واحتبس، وإمّا أن يصدر منه مثل اكتسب، وإمّا أن يصدر من الغير مثل ابتاع واتّهب.
وأيضاً، فقد تقدّم مجئ «شرى» بمعنى «باع»، وقد استعمل كذلك في الكتاب في قوله تعالى: (وَشَرَوْهُ بِثَمَن بَخْس) بل هو بهذا المعنى في كلّ موارده على ما أفاده السيّد بحر العلوم، فلم لا يكون «اشترى» بمعنى «باع» كذلك؟
إلاّ أنه يمكن الإشكال من جهة اخرى، وذلك:
إن من وظائف العقلاء حفظ النظام الإنساني وصيانة المجتمع من النزاع والتخاصم، والشارع أيضاً يأمر بذلك ويؤكّد عليه، فعلى هذا، فإنّ ما كان من الألفاظ بعيداً عن الاستعمالات المعهودة والانتقالات الذهنيّة المتعارفة، بحيث تكون منشأً للتشاجر والتنازع بين النّاس، لا يكون مورداً للاعتبار العقلائي والشرعي، وكون «اشتريت» بمعنى «بعت» من هذا القبيل غير بعيد.
وعلى هذا، ففي الايجاب بلفظ «اشتريت» إشكال، وقوله تعالى: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا …) يحتمل قويّاً أن يكون بمعنى اشترى كلّ منهم نفس الآخر]1[، لا بمعنى باعوا أنفسهم… واللّه العالم.
هذا تمام الكلام في ألفاظ الإيجاب.
]1[ وفي مصباح الفقاهة: إنّ الإزراء والتوبيخ في الآية المباركة ليس على كلّ واحد من اليهود مع قطع النظر عن غيره لكي يتوهّم أنْ لا معنى لنسبة الإشتراء إليهم إلاّ بإرادة البيع، وأنّ كلّ فرد منهم قد باع نفسه بالكفر والزندقة، بل الإزراء والتوبيخ راجع إلى جميعهم بلحاظ معاملة بعضهم مع بعض، حيث اشترى جمع منهم دين جمع آخر بثمن بخس، فصار كلّ واحد منهم بائعاً من جهة ومشترياً من جهة اخرى.
فلا دلالة في الآية على إرادة البيع من الاشتراء، بل يمكن أن يراد من لفظ الإشتراء فيها معناه المتعارف.(6)

(1) مجمع البحرين 4 / 303 «بيع».
(2) تاج العروس 5 / 384 «بيع».
(3) سورة البقرة: 90.
(4) مجمع البحرين 1 / 244.
(5) المحقق الإصفهاني في حاشية المكاسب 1 / 272.
(6) مصباح الفقاهة 3 / 25.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *