حكم إنفاذ الثبوت لو أخبر الأول به:
قال المحقق قدّس سرّه: «أما لو أخبر حاكماً آخر بأنه ثبت عنده كذا، لم يحكم به الثاني، وليس كذلك لو قال «حكمت» فإن فيه تردّداً»(1).
أقول: وأما لو أخبر الحاكم الأول الثاني بثبوت الدعوى عنده، أو قال بعد سماع الدعوى وشهادة الشاهدين «ثبت عندي كذا» فلا يجوز للثاني أن يحكم به أو يقول «ثبت عندي كذا»، لعدم الثبوت عنده، ولا أن يقول: «أنفذت حكمه» لأن الثبوت ليس حكماً كي يندرج في أدلّة الإنفاذ.
وبالجملة، فإن موضوع وجوب الإنفاذ هو «الحكم» لا «الثبوت».
قال عليه السلام: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا الراد على الله، وهو على حدّ الشرك بالله»(2).
أللهم إلا إذا حصل الإطمينان بثبوت الأمر عند الحاكم أو الحّكام الآخرين وسائر الناس، ولذا كان عيد الفطر يثبت في أيام شيخنا الاستاذ(3) بقوله: «ثبت عندي». وكان رحمه الله لا يحكم، لأنه لم يكن يرى ـ تبعاً لبعض مشايخه ـ ولاية للحاكم في مثل ذلك.
ثم إنه قد ذهب بعض الأصحاب ـ على ما حكاه في (المسالك)(4) ـ إلى اختصاص الحكم بما إذا كان بين الحاكمين وساطة وهم الشهود على حكم الأول، فلو كان الحاكمان مجتمعين وأشهد أحدهما الآخر على ذلك لم يصح إنفاذه، لأن هذا ليس من محل الضرورة المسوّغة للإنفاذ المخالف للأصل.
وأجاب عنه في (الجواهر)(5) بأن ذلك ليس قولاً لأحد من أصحابنا، ولم نعرف أحداً حكاه غيره، وبأن الضرورة المذكورة في الدليل إنما هي حكمة أصل المشروعية للإنفاذ، لا أنها علّة يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، وبأن الضرورة قد تتحقق فيه لقطع الخصومة مع عدم الكون في البلاد المتباعدة من الحاكم الأول.
(1) شرائع الإسلام 4 : 98.
(2) وسائل الشيعة 27 : 136/1 . أبواب صفات القاضي ، الباب 11.
(3) آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم اليزدي قدّس سرّه مؤسّس الحوزة العلمية.
(4) مسالك الأفهام 14 : 15.
(5) جواهر الكلام 40 : 316.