المسألة العاشرة
( في ما يعتبر في الشهادة بالجرح )
قال المحقق قدّس سرّه: « لا يشهد الشاهدان بالجرح إلاّ مع المشاهدة لفعل ما يقدح في العدالة ، أو أن يشيع ذلك في الناس شياعاً موجباً للعلم … »(1).
أقول: يشترط في الشهادة بالجرح مشاهدة الشاهدين لفعل ما يقدح في العدالة، أو أن يشيع ذلك الفعل منه في الناس شياعاً موجباً للعلم واليقين ، وإلاّ فلا تجوز الشهادة به، وأما في الشهادة بالعدالة، فلا يشترط ذلك بل يكفي حسن الظاهر، من جهة أنه ـ كما في الأخبار ـ الطريق إلى معرفة العدالة والكاشف عن وجود الملكة الراسخة، وإن كان احتمال الخلاف موجوداً، فقد ورد في تلك الأخبار(2) من كان كذلك تقبل شهادته، ومن هنا يقع الفرق بين الشهادة بالجرح والشهادة بالعدالة.
وقد تقدّم أن الشهادة استناداً إلى البيّنة والاستصحاب جائزة.
وعن ( المسالك )(3): إن لم يبلغ المخبرون حدّ العلم ، لكنّه استفاض وانتشر حتى قارب العلم، ففي جواز الجرح وجهان، من أنه ظن في الجملة وقد نهى الله عن اتّباعه إلاّ ما استثني، ومن أن ذلك ربما كان أقوى من البينة المدّعية للمعاينة ، كما مرّ في نظائره .
وأورد عليه في ( الجواهر )(4) بقوله: وفيه ما لا يخفى بعد فرض عدم حصول مرتبة العلم، وعدم الدليل على الإكتفاء بمثله، وحرمة القياس على البينة التي مبناها التعبّد، ومن هنا، كان ظاهر المصنف وغيره اشتراط العلم .
أقول: إن البحث هو في الشهادة بالجرح، فإن قلنا بعدم جواز الشهادة استناداً إلى البيّنة ، بل ولا بالإستناد إلى العشرة، فنقض ( المسالك ) غير وارد حتى يتوجّه إشكال ( الجواهر ) عليه.
هذا، وتجوز الشهادة بالعدالة استناداً إلى حكم الحاكم، وحكم الحاكم بعدالة الشاهدين أو فسقهما حجة بالنسبة إلى الحاكم الآخر، ولكن ليس للأوّل ولا لغيره الشهادة بالفسق أو العدالة، فحكم الحاكم حجة، وأما شهادته فغير مسموعة.
ثم هل للأفعال ظهور كالأقوال بحيث يجب الأخذ به ؟ فيه خلاف، والظاهر هو العدم كما عليه أهل العرف ، وإنما يحصل له ظهور من بعض المقارنات، فإن أفادت تلك المقارنات العلم جرى عليه الحكم، وإلاّ فهل الظن الحاصل من هذا الظهور حجة أو لا ؟ الظاهر هو الأوّل وفاقاً للسيد قدّس سرّه(5).
(1) شرائع الإسلام 4 : 77.
(2) قد تقدّم ذكر بعضها، ففي مرسلة يونس: «… فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه » وفي رواية عبد الله بن المغيرة: « كلّ من ولد على الفطرة وعرف بالصّلاح في نفسه جازت شهادته » ونحوهما غيرهما.
(3) مسالك الأفهام 13 : 413.
(4) جواهر الكلام 40 : 124.
(5) إذ قال: إنه يكفي ظهوره بملاحظة الحالات والمنضمات وأنه من الظنون المعتبرة، وخلافاً لصاحب الجواهر قدّس سرّه حيث قال بأنه: من الظن الذي لا دليل على حجيته بل الدليل على خلافه.