الإشارة إلى حديث الاثني عشر خليفة:
وقد حدّد عليه وآله الصلاة والسلام عدد الّذين أمر بالتمسّك بهم في حديث آخر متواتر أجمعوا على روايته، ذاك حديث «الاثنا عشر خليفة» وهو أيضاً عهد من رسول اللّه عليه وآله الصلاة والسلام… .
أخرج البخاري ومسلم عن جابر بن سمرة قال ـ واللفظ للأول ـ :
سمعت النبي صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم يقول: يكون اثنا عشر أميراً. فقال: كلمة لم أسمعها. فقال أبي: إنّه قال: كلّهم من قريش»(1).
وأخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة… وفي الباب عن ابن مسعود وعبداللّه بن عمرو»(2).
وأخرجه أحمد في غير موضع(3).
وأخرجه الحاكم(4) وغيره كذلك.
فإذا ما ضممنا هذا الحديث إلى حديث الثقلين عرفنا أنّ النّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوصي بالتمسّك بالكتاب والأئمّة الاثني عشر، ويجعلهما الخليفتين بعده… .
وإذا كان حديث الثقلين دالاًّ على العصمة فالأئمّة الاثنا عشر معصومون… .
ومن كان معصوماً كانت سُنّته حجّةً… .
وعلى هذا، يثبت حجّيّة سُنّة أهل البيت… .
وبهذا البيان تنحلّ جميع مشكلات حديث «عليكم بسُنّتي…» التي ذكرها الغزّالي… والتي ذكرناها… فلقد دار أمر وجوب الاتّباع مدار وجود العصمة، وإذا كانت العصمة فلا تغاير بين «سُنّة الخلفاء الراشدين» و«سُنّة الرسول الأمين»… وإذا كانت العصمة فلا اختلاف.. وإذا كانت العصمة فالمخالف هو المخطىء… .
نعم، قد حاول القوم ـ عبثاً ـ صرف حديث «الاثنا عشر خليفة» عن الدلالة على ما تذهب إليه الإماميّة… لكنّهم حاروا في كيفيّة تفسيره وتضاربت كلماتهم… .
حتّى كان لكلّ واحد منهم قول، وببالي أنّي رأيت من يصرّح منهم بوجود أربعين قولا في معنى الحديث… .
لكنّ المهم اعترافهم بالعجز عن فهم معنى الحديث… .
فابن العربي المالكي يقول ـ بعد ذكر رأيه: «ولم أعلم للحديث معنىً»(5).
وابن البطّال ينقل عن المهلّب قوله: «لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث، يعني بشيء معين…»(6).
وابن الجوزي يقول: «قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلّبت مظانّه وسألت عنه، فلم أقع على المقصود به»(7).
فهي إذن محاولات يائسة.. والحديث صحيح قطعاً… فليتركوا الأهواء والعصبيّات الجاهليّة، وليعترفوا بواقع الأمر الذي شاءه اللّه ورسوله… .
وتلخّص: إنّ معنى الحديث:
عليكم بسُنّتي وسُنّة الأئمّة الاثني عشر الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي… .
ويؤكّد ذلك ما رووه عن أبي ليلى الغفاري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «سيكون بعدي فتن، فإذا كان ذلك فالزموا عليَّ بن أبي طالب، فإنّه فاروق بين الحقّ والباطل».
وعن كعب بن عجزة أنّه قال: «تكون بين أُمّتي فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحقّ. يعني عليّاً»(8).
(1) أُنظر كتاب الأحكام باب الاستخلاف من صحيح البخاري 6 / 2640 الرقم 6796 وكتاب الإمارة باب الثامن تبع لقريش والخلافة في قريش من صحيح مسلم 4 / 100 ـ 102 الأرقام 1821 وذيواله و 1822 وذيله.
(2) سنن الترمذي 4 / 95 ـ 96 باب ما جاء في الخلفاء كتاب الفتن الرقم 2230.
(3) مسند أحمد 6 / 93 ـ 122 من حديث جابر بن سمرة الأرقام 20319، 20416 ـ 20418، 20420، 20421، 20508، 20515، 20528، 20534 وغيرها.
(4) المستدرك على الصحيحين 3 / 715 كتاب معرفة الصحابة (ذكر جابر بن سمرة السوائى) الرقم 6586 و 3 / 716 كتاب معرفة الصحابة (ذكر أبي جحيفة السوائى) الرقم 6589.
(5) عارضة الأحوذي 9 / 69.
(6) فتح الباري 13 / 262.
(7) فتح الباري 13 / 263.
(8) تاريخ دمشق 45 / 345، أُسد الغابة 6 / 265، كنز العمّال 11 / 281 و 285 كتاب الفضائل باب ذكر الصحابة و فضلهم الأرقام 32961 و 33013.