قد أشرنا إلى أنّ الحديث متّفق عليه، لا بين البخاري ومسلم فحسب، بل بين أرباب الكتب الستّة كلّهم، وأخرجه أيضاً أصحاب المسانيد والسنن وغيرهم، ممّن تقدّم عليهم وتأخّر عنهم إلاّ القليل منهم.
ونحن نستعرض أوّلا ما ورد في أهمّ الكتب الموصوفة بالصحّة عندهم، ثم ما أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ثم نتبعه بما رواه الآخرون.
رواية البخاري
أخرج البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه:
1 ـ فقد جاء في كتاب الخمس: «سعيد بن محمّد الجرمي، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا أبي، أنّ الوليد بن كثير حدّثه، عن محمّد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي حدّثه أنّ ابن شهاب حدّثه أنّ عليّ بن حسين حدّثه أنّهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن عليّ رحمة اللّه عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له: هل لك إليَّ من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له: لا. فقال له: فهل أنت معطيَّ سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه؟ وأيم اللّه لئن أعطيتنيه لا يخلص إليهم أبداً حتى تبلغ نفسي.
إنّ عليّ بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام، فسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ـ وأنا يومئذ محتلم ـ فقال: إنّ فاطمة منّي، وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها. ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إيّاه، قال: حدّثني فصدقني، ووعدني فوفى لي، وإنّي لست أُحرّم حلالا ولا أُحلّ حراماً، ولكن ـ واللّه ـ لا تجتمع بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبنت عدوّ اللّه أبداً»(1).
2 ـ وجاء في كتاب النكاح: «حدّثنا قتيبة، حدّثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول ـ وهو على المنبر ـ : إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب. فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن، إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنّما هي بضعة منّي، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها»(2).
3 ـ وجاء في كتاب فضائل الصحابة: «حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: حدّثني عليّ بن حسين أنّ المسور بن مخرمة قال: إنّ عليّاً خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك، وهذا عليٌّ ناكح بنت أبي جهل.
فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسمعته حين تشهّد يقول: أمّا بعد، أنكحتُ أبا العاص بن الربيع فحدّثني وصدقني، وإنّ فاطمة بضعة منّي، وإنّي أكره أن يسوءها، واللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبنت عدوّ اللّه عند رجل واحد.
فترك عليٌّ الخطبة.
وزاد محمّد بن عمرو بن حلحلة عن ابن شهاب، عن عليّ بن الحسين، عن مسور: سمعت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وذكر صهراً له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إيّاه فأحسن، قال: حدّثني فصدقني، ووعدني فوفى لي»(3).
4 ـ وجاء في باب الشقاق من كتاب الطلاق: «حدّثنا أبو الوليد، حدّثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة الزهري، قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: إنّ بني المغيرة استأذنوا في أن ينكح عليٌّ ابنتهم، فلا آذن»(4).
(1) صحيح البخاري 3 / 1132 أبواب الخمس باب ما ذكر من درع النبيّ وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه الرقم 2943.
(2) صحيح البخاري 5 / 2004 كتاب النكاح باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف الرقم 4932.
(3) صحيح البخاري 3 / 1364 ـ 1365 كتاب فضائل الصحابة باب ذكر أصهار النبيّ، أبو العاص بن الربيع الرقم 3523.
(4) صحيح البخاري 5 / 2022 كتاب الطلاق باب الشقاق وهل يشير بالخلع عند الضرورة الرقم 4974.