تطبيق عمر لفكرة الشورى
وبعد أن أعلن عمر عن هذه الفكرة، لابدّ وأن يطبّقها، إلاّ أنّه يريد عثمان من أوّل الأمر، وقد بنى على أن يكون هو لا غيره من بعده، غير أنّه من أجل التغلّب على الآخرين ومنعهم من تنفيذ مشروعهم، طرح فكرة الشورى وهدّدهم بالقتل لو بايعوا من يريدونه ولا يريد عمر.
إذن، لا بدّ في مقام التطبيق من أن يطبّق الشورى، بحيث تنتهي إلى مقصده، وهي مع ذلك شورى!
فجعل الشورى بين ستّة عيّنهم هو، لا يزيدون ولا ينقصون، على أن يكون الخليفة المنتخب واحداً من هؤلاء فقط، ولو اتّفق أكثرهم على واحد منهم وعارضت الأقليّة ضربت أعناقهم، ولو اتّفق ثلاثة منهم على رجل وثلاثة على آخر كانت الكلمة لمن؟ لعبد الرحمن بن عوف، ومن خالف قتل، ومدّة المشاورة ثلاثة أيّام، فإن مضت ولم يعيّنوا أحداً قتلوهم عن آخرهم، وصهيب الرومي هو الرقيب عليهم، وهناك خمسون رجلاً واقفون بأسيافهم، ينتظرون أن يخالف أحدهم فيضربوا عنقه بأمر من عبد الرحمن بن عوف.
وفي التواريخ والمصادر كالطبقات وغيرها، جعل الأمر بيد عبد الرحمن بن عوف، وعليه أن يدبّر القضيّة كما يريد عمر بن الخطّاب، وكما اتفق معه عليه، إنّه يعلم برأي علي في خلافة الشيخين، ويعلم مخالفته لسيرتهما، فجاء مع علمه بهذا واقترح على علي أن يكون خليفة بشرط أن يسير بالناس على الكتاب والسنّة وسيرة الشيخين، يعلم بأنّ عليّاً سوف لا يوافق، أمّا عثمان فسيوافق في أوّل لحظة، فطرح هذا الأمر على علي، فأجاب علي بما كان يتوقّعه عبد الرحمن، من رفض الالتزام بسيرة الشيخين، وطرح الأمر على عثمان فقبل عثمان، أعادها مرّة، مرّتين، فأجابا بما أجابا أوّلاً.
فقال علي لعبد الرحمن: أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عنّي.
فبايع عبد الرحمن عثمان.
فقال علي لعبد الرحمن: واللّه ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك أو عليك.
فقال له: بايع وإلاّ ضربت عنقك.
فخرج علي من الدار.
فلحقه القوم وأرجعوه حتّى ألجأوه على البيعة(1).
وهكذا تمّت البيعة لعثمان طبق القرار، ولكن هل بقي عثمان على قراره مع عبد الرحمن؟ إنّه أرادها لبني أميّة، يتلقّفونها تلقّف الكرة، فثار ضدّ عثمان كلّ أولئك الّذين كانوا في منى وعلى رأسهم طلحة والزبير، اللذين كانت لهما اليد الواسعة الكبيرة العالية في مقتل عثمان، لانّهما أيضاً كانا يريدان الأمر، وقد قرأنا في بعض المصادر أنّ بعض القائلين قالوا لو مات عمر لبايعنا طلحة، وطلحة يريدها وعائشة أيضاً تريدها له، ولذا ساهمت في الثورة ضدّ عثمان.
أمّا عبد الرحمن بن عوف، فهجر عثمان وماتا متهاجرين، أي لا يكلّم أحدهما الآخر حتّى الموت، لأنّ عثمان خالف القرار، وقد تعب له عبد الرحمن بأكثر ما أمكنه من التعب، وراجعوا المعارف لابن قتيبة، فيه عنوان المتهاجرون، أي الذين انقطعت بينهم الصلة وحدث بينهم الزَعَل بتعبيرنا، ومات عبد الرحمن بن عوف وهو مهاجر لعثمان.
وهكذا كانت الشورى، فكرة لحذف علي.
كما أنّ معاوية طالب بالشورى عند خلافة علي ومبايعة المهاجرين والأنصار معه، طالب بالشورى، لماذا؟ لحذف علي، أراد أن يدخل من نفس الباب الذي دخل منه عمر، ولكنّ عليّاً كتب إليه: إنّما الشورى للمهاجرين والأنصار، وأنت لست من الأنصار وهذا واضح، ولست من المهاجرين، لأنّ الهجرة لمن هاجر قبل الفتح، ومعاوية من الطلقاء ولا هجرة بعد الفتح، فأراد معاوية أن يستفيد من نفس الأسلوب لحذف علي، ولكنّه ما أفلح.
وكلّ من يطرح فكرة الشورى، يريد حذف النص، كلّ من يطرح الشورى في كتاب، في بحث، في مقالة، في خطابة، يريد حذف علي، لا أكثر ولا أقل.
وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين
(1) شرح نهج البلاغة 12: 265، تاريخ الطبري 3: 297، تاريخ المدينة 3: 930.