المسألة الثالثة: هل خرج النبي إلى المسجد؟

المسألة الثالثة
هل خرج النبي إلى المسجد؟
أجمعت الأحاديث الصحيحة ـ عند القوم ـ على خروج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى تلك الصّلاة مع شدّة مرضه، معتمداً على رجلين، ومع ذلك رجلاه تخطّان الأرض، فماذا يعني هذا الخروج والحال هذه؟
إن كان قد أمر أبا بكر بالصّلاة، فلماذا خرج إلى المسجد وهو على تلك الحال؟
وما هذا الإصرار على صلاته بالناس جالساً يقتدي به الناس، أو يصلّون بصلاة أبي بكر وهو يصلّي بصلاته صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في بعض الأحاديث؟
إن خروجه صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الصّلاة ـ معتمداً على رجلين ورجلاه تخطّان الأرض ـ من أوضح القرائن على أنه ما أمر أبا بكر بالصّلاة بالناس، إذ لم يكن هناك مايلجئه إلى القيام بهذا العمل الشاق.
وأمّا بناءاً على ما تفيده تلك الأحاديث من أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أمره بالصلاة، فالأمر أوضح، لأنه يعني العزل بعد النصب . . . وكم له من نظير . . .
وعلى من كان معتمداً؟
قالت عائشة: «. . .فخرج بين رجلين أحدهما العباس . . .».
قال عبيدالله بن عبدالله بن عتبة: «فدخلت على ابن عباس، فعرضت حديثها عليه، فما أنكر منه شيئاً، غير أنه قال: أسمّت لك الرجل الذي كان مع العباس؟
قلت: لا.
قال: هو علي بن أبي طالب»(1).
قال العيني بشرح الحديث:
وفي رواية الإسماعيلي من رواية عبدالرزاق عن معمر: «ولكن عائشة لا تطيب نفساً له بخير. وفي رواية ابن إسحاق في المغازي عن الزهري: ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير»(2).
وقال الحافظ ابن حجر:
«ولم يقف الكرماني على هذه الزيادة، فعبّر عنها بعبارة شنيعة.
وفي هذا ردّ على من تنطّع فقال: لا يجوز أن يظن ذلك بعائشة، وردّ على من زعم أنهاأبهمت الثاني لكونه لم يتعين في جميع المسافة، إذ كان تارة يتوكأ على الفضل، وتارة على اسامة، وتارة على علي، وفي جميع ذلك: الرجل الآخر هو العباس، واختص بذلك إكراماً له.
وهذا توهّم ممن قاله، والواقع خلافه، لأن ابن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأن المبهم علي، فهو المعتمد، والله أعلم»(3).
أقول:
والذي يظهر لي أن ابن عباس يقصد بقوله: «أسمّت . . .» التعريض بعائشة وإنكار أصل حديث الأمر بالصّلاة، فكأنه يقول لعبيد الله: إذا كانت عائشة تخفي أدنى فضيلة من فضائل علي، ولا تقدر على أن تذكره بخير، كيف تحدّث بواقع الأمر في هذا الأمر الخطير؟!
فابن عباس في الحقيقة ينكر الحديث من أصله لكنه يحذر من التصريح بذلك فيكنّي عنه، غير أن عبيدالله لم يهتد إلى مقصوده فقال: فما أنكر منه شيئاً . . .

(1) البخاري 1 / 169.
(2) عمدة القاري في شرح البخاري 5 / 192.
(3) فتح الباري في شرح البخاري 2 / 131.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *