الدليل العاشر

(10)
والواقع، إن الروايات الواردة في أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا بكر بالصلاة، مختلفة لفظاً ومضموناً، وقد جعل المحققون اختلاف الروايات الواردة في الموضوع الواحد دليلاً على اختلاقها، ولو كان ثمة مناقشة في ما ذهبوا إليه، فإنه لا إشكال في ما ذكروا في الروايات المتعلّقة بموضوع الخلافة والإمامة، فقد كانت الدواعي على تثبيت خلافة أبي بكر وتقويتها وإعطائها صورة الشرعية متوفرة، ومن الطبيعي أن تختلف الروايات لتعدد مختلقيها وتكثرهم . . .
وهكذا شأن حديث صلاة أبي بكر، ففي رواية الأرقم عن ابن عباس: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر أبا بكر ثم عمر بمشورة عائشة، وأنه خرج صلّى الله عليه وآله وسلّم فصلّى بالناس بعد أن خالفه عمر وأمر أبا بكر بالتقدم . . .
وفي رواية ابن أبي مليكة عن عائشة: إن بلالاً لمّا نادى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالصلاة قال: قولوا له فليقل لأبي بكر يصلّي بالناس، وإن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد خرج يتهادى بين علي والفضل، فأراد أبو بكر التنحّي عن مقامه لمّا أحسّ به صلّى الله عليه وآله وسلّم فدفعه فأقامه مقامه وقعد إلى جانبه، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يكبّر والناس يكبّرون بتكبير أبي بكر. قالت عائشة: فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالناس . . .
وفي رواية الزهري عن أنس: لمّا مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مرضه الذي مات فيه، أتاه بلال يؤذنه بالصّلاة فقال يا بلال، قد أبلغت، فمن شاء فليصلّ بالناس ومن شاء فليدع، قال: ورفعت الستور عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فنظرنا إليه كأنه ورقة بيضاء عليه خميصة له، فرجع إليه بلال فقال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس . . .
وفي حديث عبدالله بن عمر: أنه جاء ابن أم مكتوم، فآذن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في مرضه الذي مات فيه بالصّلاة الاولى، فلم يستطع أن يقوم من شدة المرض، فقال له: قل لأبي بكر يقيم للناس صلاتهم . . .
وفي رواية أبي داود: إن أول شكوى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيت ميمونة، وإنه قال لعبدالله بن زمعة: مروا من يصلّي بالناس . . .
وفي حديث سالم بن عبيد الأشجعي: مروا بلالاً فليصلّ بالناس . . .
أقول:
إن التعارض في هذه الروايات وغيرها من أخبار القضيّة واضح، وليس من جمع بينها يمكن الركون إليه والقضيّة واحدة . . . وهكذا اختلاف يورث الشك في أصل القضيّة بعد القطع بكذب دعوى كون صلاته بأمر من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وهذه الامور ـ وأمور غيرها ـ تدلّ على أن خروج أبي بكر إلى الصّلاة ـ لو كان ـ لم يكن بأمر من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم . . . وهذا ما نعتقده . . .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *