المسألة الثانية: في انّ العداوة الدينية لا تمنع القبول

المسألة الثانية

(في أن العداوة الدينية لا تمنع القبول)

قال المحقق قدّس سرّه: «العداوة الدينية لا تمنع القبول، فإن المسلم تقبل شهادته على الكافر»(1).
أقول: إن العداوة الدينية ليست من أسباب التهمة، ولا توجب الفسق، بل هي واجبة بالكتاب والسنّة، فلا كلام في قبول شهادة المسلم على الكافر، والمحق على المبتدع، وكذا من أبغض الفاسق لفسقه.
قال: «أما الدنيوية فإنها تمنع، سواء تضمنت فسقاً أو لم تتضمن(2)…»(3).
أقول: إن العداوة الدنيوية للمؤمن بل لغيره أيضاً كما احتمله بعضهم من موانع قبول الشهادة، لأنها من أسباب التهمة، فتدلّ على هذا الحكم النصوص المتقدّمة في أوّل الباب، وخصوص ما اشتمل منها على لفظ «الخصم».
وفي (الجواهر): بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه(4).
وفي (المسالك): من أسباب التهمة العداوة الدنيوية، فلا يقبل شهادة العدوّ على عدوّه عندنا وعند أكثر العامة(5). وفي الخلاف الإستدلال له بما روى طلحة بن عبيد الله قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم منادياً فنادى: «لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين والعدوّ منهم. وقال عليه السلام: «لا تقبل شهادة الخائن والخائنة ولا الزاني ولا الزانية ولا ذي غمرة على أخيه(6)، وذو الغمر من كان في قلبه حقد أو بغض(7)»(8).
وعلى الجملة، فلا كلام في هذا الحكم، إنما الكلام في معنى قول المحقق: «سواء تضمنت فسقاً أو لم تتضمن، وتتحقق العداوة بأن يعلم من حال أحدهما السرور بمساءة الآخر والمساءة بسروره، أو يقع بينهما تقاذف».
فإن ظاهر هذا الكلام اجتماع «العدالة» مع «العداوة» مع أنه قد قال سابقاً بكون بغضة المؤمن معصية، وأن التظاهر بها قادح في العدالة، فالتجأ العلماء إلى توجيه العبارة وحملها على نحو لا ينافي ما تقدّم منه، إلا أنا ذكرنا هناك بأن الحب والبغض والحسد ونحوها صفات قلبيّة، وهي بمجردها ليست بمعاص ولا تضرّ بالعدالة.
وهنا نقول: إن المستفاد من بعض الآيات في القرآن الكريم هو اجتماع العداوة مع العدالة حتى مع إظهارها، إن كانت العداوة مسببة عن ظلم أو إيذاء ، قال تعالى: (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ)(9). وفي قصة ابني آدم: (إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ)(10).
فالعداوة إن كانت مستندة إلى ظلم ونحوه لا تنافي «العدالة» وإن كان هذا الشخص مورداً للتهمة عرفاً ويكون المشهود عليه الموجب للعداوة بظلمه فاسقاً، ولو وقع بينهما تقاذف كان البادي هو الظالم كما قيل، ولو وقعت العداوة بينهما لا عن سبب صحيح مقصود، كأن يكون عن شبهة أو خطأ، لم تقدح في عدالة واحد منهما.
ولو قذف المشهود عليه الشاهد قبل الشهادة أو آذاه حتى يكون مصداقاً للعدوّ فتردّ شهادته عليه، قبلت شهادته إن لم يرد على الأذى بشيء، وإن كانت التهمة موجودة، ويمكن أن يقال بعدمها، من جهة أن من يتحمل الأذى ولا يرد عليه بشيء لعدالته وشدة حمله، لا يحمله البغض الحاصل من الأذى على الشهادة بخلاف الواقع، فهو خارج عن مورد الإتهام عرفاً.

(1) شرائع الإسلام 4 : 129.
(2) شرائع الإسلام 4 : 129.
(3) جواهر الكلام 41 : 70.
(4) جواهر الكلام 41 : 70.
(5) مسالك الأفهام 14 : 191.
(6) السنن الكبرى 10 : 202 . بتفاوت يسير.
(7) السنن الكبرى 10 : 155 . بتفاوت يسير ، سنن ابي داود 4 : 20/3601 . بتفاوت يسير.
(8) كتاب الخلاف : 6/296 ، المسألة 43.
(9) سورة النساء 4 : 148.
(10) سورة المائدة 5 : 29.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *