البحث الأول: في الحسد

البحث الأول: في الحسد
الحسد كما في (الجواهر): تمنّي زوال النعمة عن الغير أو هزوله(1)، والصحيح ما في (كشف اللثام): أو ملزومه، قال المحقق: «معصية» وفي (القواعد): «الحسد حرام»(2).
وظاهر المحقق أنه معصية صغيرة مالم يتظاهر به، فإن تظاهر كان معصية كبيرة تقدح في العدالة وتسقط بها الشهادة.
لكن صريح (المسالك) أنه معصية كبيرة، تظاهر بها أو لا، فإن تظاهر لم تقبل شهادته، قال رحمه الله: لا خلاف في تحريم هذين الأمرين، والتهديد عليهما في الأخبار مستفيض، وهما من الكبائر، فيقدحان في العدالة مطلقاً، وإنما جعل التظاهر بهما قادحاً لأنهما من الأعمال القلبية، فلا يتحقق تأثيرهما في الشهادة إلا مع إظهارهما، وإن كانا محرمين بدون الإظهار(3).
وفي (شرح الإرشاد) بعد أن ذكر أخبار المسألة: ثم إن ظاهر هذه الأخبار أن الحسد كبيرة، بل كاد أن يكون كفراً، فإن أُولت بحيث لم تكن كبيرة، فيكون إخلاله بالشهادة باعتبار الإصرار والمداومة كغيره مما تقدّم وتأخّر، والظاهر أن الحسد مطلقاً ذنب، سواء أظهر أم لم يظهر، ولكن إخلاله بالشهادة إنما يكون إذا كان ظاهراً حتى يعلم، مثل سائر الذنوب(4).
فهذان قولان، وظاهر (الجواهر) قول ثالث، فإنه بعد أن صرّح بعدم الخلاف في الحرمة كالمسالك قال بعد ذكر خبر حمزة بن حمران الآتي: «فيمكن أن يقال: إن التظاهر بهما محرم»(5). وصريح (المسالك) كون الحسد من الأعمال القلبية، وعليه، يمكن أن يكون محكوماً بحكم من الأحكام.
لكن ظاهر أخبار المسألة أنه من صفات القلب، فكيف يحكم عليه بشيء من الأحكام؟ وبعبارة أخرى: إن موضوعات الأحكام هي أفعال العباد لا أوصافهم، نعم إذا كان وصف من الأوصاف باختيار العبد وجوداً أو عدماً أمكن أن يقال للعبد: إن أوجدت الصفة الكذائية في نفسك أو أعدمتها فالحكم كذا، لكن الحسد ليس من هذا القبيل، فإنه كالخوف والبخل مثلاً خارج عن الإختيار، فقولهم: «معصية» أو «حرام» مشكل، نعم، لا مانع من أن يقال بوجوب تغيير الصفة السيئة مع الإمكان.
أما إظهار الحسد وعدم إظهاره فذلك تحت اختيار المكلف، فيحرم عليه الإظهار، ويجب عليه المنع من ظهوره، وعلى هذا تحمل الاخبار الدالّة على حرمة الحسد، فإن تظاهر سقط عن العدالة، وسقطت شهادته عن القبول.
كما يجب حمل ما دلّ منها على عدم خلو الأنبياء والأولياء عن الحسد على الغبطة أو على الصفة غير الاختيارية، غير أن النبي والولي لا يتظاهر به بالنسبة إلى غيره، حتى وإنْ كان الغير كافراً، أو يحمل على غير ذلك مما لا ينافي العصمة.
والحق أنه إن التفت الحاسد إلى لوازم الحسد كالسخط على الله تعالى فهو معصية فوق الكبيرة، سواء تظاهر بها أو لم يتظاهر، فإن لم يتظاهر كان كالمنافق، وإن تظاهر بها مع ذلك فذاك معصية أخرى، ويترتب على التظاهر عدم قبول الشهادة وإن لم يلتفت إلى شيء من ذلك.
هذا كلّه بالنسبة إلى الحسد، وهذه نصوص بعض الأخبار في ذمّه:
1 ـ محمد بن مسلم: «قال أبو جعفر عليه السلام: إن الرجل ليأتي بأدنى بادرة فيكفر، وإن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب»(6).
2 ـ داود الرقي: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إتقو الله ولا يحسد بعضكم بعضاً»(7). الحديث.
3 ـ السكوني: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: كاد الفقر أن يكون كفراً، وكاد الحسد أن يغلب القدر»(8).
4 ـ معاوية بن وهب: «قال أبو عبد الله عليه السلام: آفة الدين الحسد والعجب والفخر»(9).
5 ـ داود الرقي: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: قال الله عزّوجلّ لموسى بن عمران: يا ابن عمران، لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي، ولا تمدنّ عينيك إلى ذلك، ولا تتبعه نفسك ، فإن الحاسد ساخط لنعمتي، صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي، ومن يك كذلك فلست منه وليس مني»(10).
6 ـ الفضيل بن عياض: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن المؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط»(11).
7 ـ أبو بصير: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اصول الكفر ثلاثة: الحرص والإستكبار والحسد»(12) الحديث.
8 ـ حمزة بن حمران: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق، والطيرة، والحسد، إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده»(13).
ذكر هذه الأخبار وغيرها في (وسائل الشيعة). وسيأتي ما يدلّ على ذلك في حرمة بغضة المؤمن.

(1) جواهر الكلام 41 : 52.
(2) قواعد الأحكام 3 : 495.
(3) مسالك الأفهام 14 : 184.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 12 : 344.
(5) جواهر الكلام 41 : 53.
(6) وسائل الشيعة 15 : 365/1 . أبواب جهاد النفس ، الباب 55.
(7) وسائل الشيعة 15 : 365/3 . أبواب جهاد النفس ، الباب 55.
(8) وسائل الشيعة 15 : 365/4 . أبواب جهاد النفس ، الباب 55.
(9) وسائل الشيعة 15 : 366/5 . أبواب جهاد النفس ، الباب 55.
(10) وسائل الشيعة 15 : 366/6 . أبواب جهاد النفس ، الباب 55.
(11) وسائل الشيعة 15 : 366/7 . أبواب جهاد النفس ، الباب 55.
(12) وسائل الشيعة 15 : 367/10 . أبواب جهاد النفس ، الباب 55.
(13) وسائل الشيعة 15 : 366/8 . أبواب جهاد النفس ، الباب 55.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *