4 ـ في أنه لو شهد أحدهما على كون الثمن ديناراً و الآخر دينارين

المسألة الرابعة

(في أنه لو شهد أحدهما على كون الثمن ديناراً والآخر دينارين)

قال المحقق قدّس سرّه: «لو شهد أحدهما أنه باعه هذا الثوب غدوة بدينار، وشهد الآخر أنه باعه ذلك الثوب بعينه في ذلك الوقت بدينارين، لم يثبتا، لتحقق التعارض، وكان له المطالبة بأيهما شاء مع اليمين»(1).
أقول: هنا ثلاث صور:
الاولى: أن يدّعي البائع على المشتري أنه باعه هذا الثوب غدوة بدينارين فيشهد له شاهد بذلك، ثم يشهد الشاهد الآخر أنه باعه ذلك الثوب بعينه في ذلك الوقت بدينار.
أما المشتري فلا دعوى له بشيء.
والثانية: أن يدّعي المشتري على البائع أنه باعه هذا الثوب غدوة بدينار، فيشهد له شاهد بذلك، ثم يشهد الشاهد الآخر أنه باعه ذلك الثوب بعينه في ذلك الوقت بدينارين.
أما البائع فلا دعوى له بشيء.
ففي هاتين الصورتين لا يوجد تعارض أصلاً، لما تقرر من أنه يشترط في صحّة الشهادة وقبولها موافقتها لدعوى المدعي، فتكون احدى الشهادتين الموافقة للدعوى في الصورتين معتبرة والاخرى لاغية، وللمدعي أن يحلف مع الشهادة المقبولة ويثبت حقه.
إذن، لا وجه لقول المحقق «لتحقق التعارض» سواء كان المدعي في الفرع الذي عنونه هو المشتري أو البائع.
ويتحقق التعارض في الصورة:
الثالثة: لو وقع الخلاف بين البائع والمشتري في الثمن، فقال البائع بالدينارين، وقال المشترى بالدينار، وكان لكلّ منهما بينة على ما يدّعيه، وحينئذ يتساقطان، وليس المرجع القرعة كما تقدّم عن الشيخ والجواهر، إذ لا موضوع للقرعة هنا وإن كان لها فائدة، بل الصحيح بعد التساقط هو الحكم على المشتري بالدينار بإقراره.
قال المحقق: «ولو شهد له مع كل واحد شاهد آخر ثبت الديناران»(2).
أقول: مرجع الضمير في «له» هو «البائع»، وذلك لأنه إذا كان يدعي الدينارين، فقد قامت بينة كاملة له على دعواه فيحكم له، والبينة الاخرى المخالفة لدعواه لاغية، فلا تعارض.
قال المحقق: «ولا كذلك لو شهد واحد بالإقرار بألف والآخر بألفين، فإنه يثبت الألف بهما والآخر بانضمام اليمين»(3).
أقول: أوضحه في (الجواهر) بقوله: لعدم التعارض بين المشهود بهما وإن امتنع التلفظ بلفظين مختلفين في وقت واحد، فإن الشهادة بدينار لا تنفي الزائد، فيجوز أن لا يكون الشاهد سمع إلا ديناراً، أو لم يقطع إلا به وتردد في الزائد، أو رأى أن لا يشهد إلا به لمصلحة يراها أولا لها، بخلاف نحو البيع بدينار ودينارين، فإن العقد بدينار ينافي العقد بدينارين، وإمكان فرض الإقرار على وجه ينافي الآخر، غير قادح، ضرورة كون الكلام في عدم المنافاة بين الشاهدين فيه من حيث نفسه، بخلاف البيع لا من حيث انضمام أمور خارجة. فتأمل(4).
قلت: إنه مع اعترافه بامتناع التلفّظ بلفظين كذلك… يعلم إجمالاً بعدم أحدهما، فكلّ واحد أخذ به كان ترجيحاً بلا مرجح، وثبوت الألف يتوقف على ثبوت الإقرار، فكيف يقال بثبوته مع عدم ثبوت الإقرار؟
وبما ذكرنا يظهر ما في تفريق (المسالك) بقوله: والفرق بين الإقرار والبيع حيث يثبت القدر الأقل بهما ويتوقف الزائد على اليمين في الإقرار دون البيع أن الإقرار ليس سبباً في ثبوت الحق في ذمته بل كاشف عن سبقه، فجاز تعدده ولم يناف أحد الإقرارين الآخر، بخلاف البيع، فإنه سبب لثبوت الحق ولم يقم بكلّ واحد من البينتين بينة كاملة، وعليه يترتب ما لو شهد بكلّ واحد من الإقرارين شاهدان، فإنه يثبت الأقل بشهادة الجميع والزائد بشهادة الاثنين، بخلاف البيع، فإنه لا يثبت المجموع إلا بشاهدين لعدم امكان تعدّد السبب فيه(5).
فإنه مع عدم الكاشف لا يثبت شيء، والأمر كذلك هنا بالتقريب الذي ذكرناه .
قال المحقق: «ولو شهد بكلّ واحد شاهدان، يثبت ألف بشهادة الجميع، والألف الآخر بشهادة اثنين»(6).
أقول: وهذا واضح لا كلام فيه.
قال: «وكذا لو شهد أنه سرق ثوباً قيمته درهم وشهد الآخر أنه سرقته وقيمته درهمان، ثبت الدرهم بشهادتهماوالآخر بالشاهد واليمين»(7).
قال في (الجواهر): لانتفاء التنافي وإن امتنع كون قيمة الشيء في الوقت الواحد ديناراً ودينارين جميعاً، لجواز أن لا يعرف أحدهما من قيمته إلا ديناراً(8).
قال المحقق: «ولو شهد بكلّ صورة شاهدان، ثبت الدرهم بشهادة الجميع، والآخر بشهادة الشاهدين بهما»(9).
ووافقه صاحب (الجواهر)(10).
أقول: إن الثوب المسروق واحد، والسرقة وقعت مرّة واحدة، ومع وقوع الخلاف بين الشاهدين أو البينتين يقع التكاذب في كلتا الصورتين، فإن كان السارق وصاحب الثوب متداعيين بأن يدعي السارق كون قيمته درهماً والمالك درهمين ثم أقاما البينة، أو شهد لكلّ شاهد وحلف معه، وقع التعارض والتساقط، وحينئذ، فالحكم هو التحالف، فإذا حلفا أخذ من السارق ما يقرّ به بإقراره.
وإن كان صاحب الثوب يدعي الدرهمين والسارق لا دعوى له في مقابله، اعتبرت البينة أو شهادة الواحد الموافقة لدعواه وسقطت الاخرى، أما البينة فيثبت بها حقّه بلا يمين، وأما شهادة الواحد فلابدّ من أن يحلف معها حتى يثبت.
قال المحقق: «ولو شهد أحدها بالقذف غدوة والآخر عشية أو بالقتل كذلك، لم يحكم بشهادتهما، لأنها شهادة على فعلين»(11).
أقول: القذف مما يمكن تكرره، فلا تنافي بين الشهادتين به، والقتل لا يقبله، فهما متكاذبان، فلو قامت بينة على القذف غدوة واخرى على القذف عشية، ثبت حدّان.
ولو ادّعى المدعي القتل ولم يتعرض وقته، والمنكر كان ينكر أصل القتل، وقع التعارض، فقال الشيخ بالقرعة، فإن تم فهو وإلا فيرجع إلى ما تقرّر في تعارض البينتين.
قال: «أما لو شهد أحدهما بإقراره بالعربية والآخر بالعجمية، قبل، لأنه اخبار عن شيء واحد».
أقول: وذلك، لأن الملاك توارد الشهادتين على أمر واحد معنى، والمعنى هنا واحد، وإن كان الإقرار بالعربية فعلاً غير الإقرار بالأعجمية، لكن يختص هذا بما إذا أطلقا فلم يوقّتا أو وقّتا بوقتين مختلفين، أما لو وقّتا بوقت واحد فلا يثبت شيء، للتكاذب.
قال في (الجواهر): ولو شهد أحدهما أنه أقرّ عنده أنه استدان أو باع أو قتل أو غصب يوم الخميس، وآخر أقرّ أنه فعل ذلك يوم الجمعة، لم يحكم إلا مع اليمين أو شاهد آخر ينضم إلى أحدهما، لأن المشهود به فعلان، بل هما في القتل متكاذبان(12).
أقول: لا يخفى الفرق بين القتل وسائر الأمثلة المذكورة، فإن القتل لا يقبل التكرار، وتلك تقبله، إلا إذا كان البيع أو الاستدانة مثلاً واقعة واحدة بإقرار البائع أو الدائن، ثم ادعى وقوع ذلك في يوم الجمعة مثلاً، فشهد شاهد بوقوعه فيه وآخر بوقوعه يوم الخميس، اعتبر شهادة الموافق لدعواه وحلف معه إن كان واحداً، وسقطت الشهادة الاخرى، ولو أقام الطرف أيضاً بينة في مقابل بينته تعارضتا وتساقطتا ولم يثبت شيء.
قال: ولو شهد اثنان بفعل وآخران على غيره من جنسه أولا، ثبتا إن أمكن الإجتماع وادّعاهما، وإن لم يمكن الإجتماع أو أمكن ولم يدّعه، كان للمدّعي أن يدعي أحدهما ويثبت بينته ويلغو الآخر، مثل أن يشهد اثنان بالقتل غدوة وآخران به عشية، وكذا ما لا يمكن أن يتكرر كالولادة والحج عن اثنين في سنة.
وفي محكي (المبسوط) إذا لم يمكن الاجتماع استعمل القرعة(13). وفي (كشف اللثام): لا معنى لها إن كان الفعل مثل القتل والولادة من أُم واحدة والاختلاف في الزمان أو المكان، فإن القرعة لا يفيد شيئاً، نعم، إن كان الفعل مثل الولادة من اُمّين واختلف المدعي، فادّعت هذه أنها ولدته وشهد به اثنان ثبتت القرعة، وإن اتحد المدعي فلابدّ من أن يعين هو الدعوى، والشيخ إنما فرض المسألة في القتل واختلافه زماناً أو مكاناً وأثبت القرعة(14)(15).
وفي (الجواهر): قد يظهر وجه كلام الشيخ مما ذكرناه، في صورة ما لو كانت دعوى المدعي القتل مثلاً وجاء بالأربعة شهود، واختلف كلّ اثنين منهم في الزمان أو المكان، وقلنا بوجوب تعيين احدى البينتين في مستند الحكم، لفائدة الغرم والرجوع بعد ذلك وغيرهما، فإنه لا طريق حينئذ إلا القرعة(16).
أقول: إن كان استعمال القرعة بعد التساقط، فإن معنى التساقط سقوط كلتا البينتين عن الحجية، فلا يبقى مدرك للحكم حتى يراد تعيينه بالقرعة، اللهم إلا أن يقال ببقاء احدهما لا على التعيين على الحجية، والقرعة طريق لتعيينه، ولكنه لا يخلو عن اشكال، أو يرجع إلى القرعة لترجيح احدى البينتين على الاخرى، إن كانت القرعة من المرجحات.
وبالجملة، فإن الضابط في الفروع المذكورة بعد ما تقرّر من اشتراط توارد الشاهدين على معنى واحد، وتوافقهما لدعوى المدعي أن كلّ شهادة سواء كانت شهادة واحد أو بينة كاملة لا توافق دعوى المدعي لاغية وتبقى الاخرى الموافقة بلا معارض، هذا إذا كان الفعل مما لا يقبل التكرار أو كان يقبله ولا يدعي إلا أحدهما، فإن كان يدعي كلا الأمرين ثبتا مع البينة أو الشاهد الواحد بيمين المدعي، فإن حصل التداعي من الطرفين وأقام كلّ بينة على دعواه وتخالفت البينتان، فهنا يقع التكاذب والتساقط، ولا يحكم بشيء إلا إذا كان أحدهما مقراً فيؤخذ به.

(1) شرائع الإسلام 4 : 141.
(2) شرائع الإسلام 4 : 141.
(3) شرائع الإسلام 4 : 141.
(4) جواهر الكلام 41 : 215.
(5) مسالك الأفهام 14 : 291 ـ 292.
(6) شرائع الإسلام 4 : 141.
(7) شرائع الإسلام 4 : 141.
(8) جواهر الكلام 41 : 215.
(9) شرائع الإسلام 4 : 142.
(10) جواهر الكلام 41 : 215.
(11) شرائع الإسلام 4 : 142.
(12) جواهر الكلام 41 : 216.
(13) المبسوط في فقه الإماميّة 8 : 243.
(14) كشف اللثام 10 : 371.
(15) جواهر الكلام 41 : 216.
(16) جواهر الكلام 41 : 217.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *