جواز التخلّف إنْ كانت الشهادة مضرّة

جواز التخلّف إنْ كانت الشهادة مضرّة
قال المحقق: «ولا يجوز لهما التخلف إلا أن تكون الشهادة مضرة بهما ضرراً غير مستحق»(1).
أقول: إن وجوب الشهادة كسائر الواجبات التي ترتفع بترتب الضرر عليها، ويشترط في الضرر الموجب لسقوط وجوب الشهادة أمران:
أحدهما: أن يكون الضرر ضرراً معتداً به، ولا فرق بين توجّهه على الشاهد نفسه، أو على المشهود عليه، أو على المشهود له، أو على غيرهم.
والثاني: أن يكون الضرر غير مستحق، كما لو كان للمشهود عليه حق على الشاهد يطالبه عليه على تقدير الشهادة ويمهله به أو يسامحه بدونها، فلا يعدّ ذلك عذراً، لأنه مستحق عليه مع فرض قدرته على الوفاء به.
والدليل على سقوط الوجوب فيما إذا كانت الشهادة مضرة، هو قاعدة لا ضرر، الحاكمة على الأدلّة الأولية(2). وهذا الحكم لا خلاف فيه كما في (الجواهر)(3). وقد استدل له أيضاً بخبرين:
1 ـ علي بن سويد السائي عن أبي الحسن عليه السلام في حديث: «كتب إلي أبي في رسالته إلي: وسألت عن الشهادات لهم، فأقم الشهادة لله ولو على نفسك أو الوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم، فإن خفت على أخيك ضيماً فلا»(4).
2 ـ محمد بن القاسم بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام: «سألته قلت له: رجل من مواليك عليه دين لرجل مخالف يريد أن يعسره ويحبسه، وقد علم الله أنه ليس عنده ولا يقدر عليه وليس لغريمه بينة، هل يجوز له أن يحلف له ليدفعه عن نفسه حتى ييسر الله له؟ وإن كان عليه الشهود من مواليك قد عرفوه أنه لا يقدر، هل يجوز أن يشهدوا عليه؟ قال: لا يجوز أن يشهدوا عليه ولا ينوي ظلمه»(5).
هذا، وفي (المسالك): واعلم أن إطلاق الأصحاب والأخبار يقتضي عدم الفرق في التحمل والأداء بين كونه في بلد الشاهد وغيره مما لا يحتاج إلى سفر، ولا بين السفر الطويل والقصير مع الإمكان، هذا من حيث السعي، أما الموؤنة المحتاج إليها في السفر من الركوب وغيره، فلا يجب على الشاهد تحملها، بل إن قام بها المشهود له وإلا سقط الوجوب، فإن الوجوب في الأمرين مشروط بعدم توجه ضرر على الشاهد غير مستحقق، وإلا سقط الوجوب(6).
قال في (الجواهر): قلت: قد يقال إن السفر الطويل ونحوه من المشقة والعسر أيضاً. فتأمل جيداً(7).
قلت: الظاهر أنه حيث يجب عليه أداء الشهادة يجب عليه تحمل كلّ ما يمكن تحمله من مشقة السفر ومؤونته المحتاج إليها، إن كانت بالقدر المتعارف، إذ المفروض وجوب الشهادة عليه، فيجب عليه تحمل كلّ ما يتوقف عليه القيام بهذا الواجب مع الإمكان. والله العالم.

(1) شرائع الإسلام 4 : 138.
(2) فيه إشارة إلى ما جاء في جامع المدارك من أن المقام من التزاحم فيلاحظ الأهم .
(3) جواهر الكلام 41 : 188.
(4) وسائل الشيعة 27 : 315/1 . كتاب الشهادات ، الباب 3.
(5) وسائل الشيعة 27 : 339/1 . كتاب الشهادات ، الباب 19.
(6) مسالك الأفهام 14 : 268.
(7) جواهر الكلام 41 : 188.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *