مسائل ثلاث:/الاولى: في أنّ الشهادة ليست بشرط في شيء من العقود إلاّ الطلاق

مسائل ثلاث

المسألة الاولى

(في أن الشهادة ليس شرطاً في شيء من العقود إلا الطلاق)

قال المحقق قدّس سرّه: «الشهادة ليست شرطاً في شيء من العقود إلاّ الطلاق ، ويستحب في النكاح والرجعة، وكذا في البيع»(1).
أقول: في المسألة فروع:
الأوّل: عدم اشتراط الشهادة في صحة شيء من العقود والإيقاعات، وهذا الحكم مجمع عليه كما في (كشف اللثام) و (الجواهر) حيث قالا: «عندنا»(2).
قال في (المسالك): عملاً بالأصل، وضعف الدليل الموجب(3). وفي (الجواهر): للأصل المستفاد من إطلاق ما يقتضي الصحة من الكتاب والسنّة.
والثاني: كون الشهادة شرطاً في الطلاق. ويدلّ عليه النصوص المستفيضة، ومنها:
1 ـ محمد بن مسلم عن أبي حعفر عليه السلام في حديث: قال: «جاء رجل إلى علي عليه السلام فقال: يا أمير المومنين إني طلّقت امرأتي. قال عليه السلام: ألك بينة؟ قال: لا. قال: اغرب»(4).
2 ـ بكير بن أعين وغيره عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «إن طلّقها للعدّة أكثر من واحدة فليس الفضل على الواحدة بطلاق، وإن طلّقها للعدّة بغير شاهدي عدل، فليس طلاقه بطلاق»(5).
3 ـ زرارة وجماعة عن أبي جعفر وأبي عبد اللهغ في حديث: «وإن طلقها في استقبال عدّتها طاهراً من غير جماع ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين، فليس طلاقه إياها بطلاق»(6).
4 ـ أبو الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من طلّق بغير شهود فليس بشيء»(7).
5 ـ محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال لرجل في حديث: «أشهدت رجلين ذوي عدل كما أمرك الله؟ فقال: لا، فقال: إذهب فإن طلاقك ليس بشيء»(8).
6 ـ الطبرسي في قوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِّنكُمْ)(9): «معناه: وأشهدوا على الطلاق صيانة لدينكم. وهو المروي عن أئمتنا»(10).
واستدلّ له بالآية الكريمة من الكتاب: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء … وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل …)(11) فإنه وإن احتمل كون مورد الشهادة هو الرجعة لكونها أقرب، لكن في النصوص المذكورة ما يدلّ على أن المراد هو الإشهاد على الطلاق، ومن هنا قال في (المسالك): «أجمع الأصحاب على أن الإشهاد شرط في صحة الطلاق، ويدلّ عليه وراء الإجماع قوله تعالى بعد ذكر الطلاق (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِّنكُمْ) والآية وإن كانت محتملة للإشهاد على الرجعة لقربها، إلا أن الأخبار خصصته به»(12).
وأضاف في (الجواهر): ] الظهار [(13) وهو كذلك، للنصوص الدالّة عليه، ومنها:
1 ـ حمران في حديث قال: «قال أبو جعفر عليه السلام: لا يكون ظهار إلا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(14)(15).
2 ـ ابن فضال عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق»(16).
والثالث: استحباب الإشهاد في اُمور وهي: النكاح والرجعة والبيع.
أما ]النكاح [ فقد دلّ على عدم وجوب الإشهاد فيه وعلى استحبابه عدّة نصوص، ومنها:
1 ـ هشام بن سالم: «عن أبي عبد الله عليه السلام: إنما جعلت البينات للنسب والمواريث»(17).
2 ـ زرارة: «سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود . فقال: لا بأس بتزويج البتة فيما بينه وبين الله، إنما جعل الشهود في تزويج البتة من أجل الولد، لولا ذلك لم يكن به بأس»(18).
3 ـ حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام «عن الرجل يتزوج بغير بينة. قال: لا بأس»(19).
4 ـ محمد بن الفضيل: «قال أبو الحسن عليه السلام لأبي يوسف القاضي: إن الله أمر في كتابه بالطلاق وأكّد فيه بشاهدين ولم يرض بهما إلا عدلين، وأمر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا شهود، فأثبتم شاهدين فيما أهمل وأبطلتم الشاهدين فيما أكد»(20).
وعن ابن أبي عقيل القول بالوجوب، لما رواه المهلب الدلال «أنه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام: إن امرأة كانت معي في الدار، ثم إنها زوّجتني نفسها وأشهدت الله وملائكته على ذلك، ثم إن أباها زوّجها من رجل آخر فما تقول ؟ فكتب عليه السلام: التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين، ولا يكون تزويج متعة ببكر، اُستر على نفسك واكتم رحمك الله»(21)(22). فإنه ظاهر في الوجوب.
لكن هذا الخبر لا يقاوم النصوص الدالّة على عدم الوجوب، فيحمل على الاستحباب(23).
وأما ] الرجعة [ فيدلّ عليه:
1 ـ زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث: «وإذا أراد أن يراجعها أشهد على المراجعة»(24).
2 ـ محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث: «وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها»(25).
وأما ] البيع [ فقال كاشف اللثام: للاعتبار، وقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ)(26) وأوجبها فيه أهل الظاهر لظاهر الأمر(27).
وأضاف في (الجواهر): ] الدين [(28) ويدلّ عليه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْن إِلَى أَجَل مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ … وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ)(29).
إلا أنه يرفع اليد عن ظاهر هذه الآية وسابقتها في الوجوب، بالعمومات والإطلاقات، فيحكم بالإستحباب.

(1) شرائع الإسلام 4 : 137.
(2) كشف اللثام 10 : 354 ، جواهر الكلام 41 : 178.
(3) مسالك الأفهام 14 : 262.
(4) وسائل الشيعة 22 : 25/1 . أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، الباب 10.
(5) وسائل الشيعة 22 : 26/2 . أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، الباب 10.
(6) وسائل الشيعة 22 : 26/3 . أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، الباب 10.
(7) وسائل الشيعة 22 : 27/6 . أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، الباب 10.
(8) وسائل الشيعة 22 : 27/7 . أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، الباب 10.
(9) سورة الطلاق 65 : 2.
(10) وسائل الشيعة 22 : 29/11 . أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، الباب 10.
(11) سورة الطلاق 65 : 1 2.
(12) مسالك الأفهام 9 : 111.
(13) جواهر الكلام 41 : 178.
(14) وسائل الشيعة 22 : 307/1 . كتاب الظهار ، الباب 2.
(15) أقول: هذا صحيح سنداً. وفيه « شهادة شاهدين مسلمين » وهو ظاهر في كفاية شهادة غير الإمامي الاثني عشري، وإليه ذهب جماعة من الأصحاب ولهم أن يجيبوا عن الخبر الثاني الدال على أنه يعتبر في الظهار ما يعتبر في الطلاق ومنه العدالة بعد الغض عن الإرسال في سنده، بأنه لا يصلح للتقييد لوجود النص الدال على قبول شهادة الناصبيين في الطلاق.
(16) وسائل الشيعة 22 : 307/3 . كتاب الظهار ، الباب 2.
(17) وسائل الشيعة 20 : 97/1 . أبواب مقدمات النكاح ، الباب 43.
(18) وسائل الشيعة 20 : 98/3 . أبواب مقدمات النكاح ، الباب 43.
(19) وسائل الشيعة 20 : 98/4 . أبواب مقدمات النكاح ، الباب 43.
(20) وسائل الشيعة 20 : 98/5 . أبواب مقدمات النكاح ، الباب 43.
(21) وسائل الشيعة 21 : 34/11 . أبواب المتعة ، الباب 11.
(22) مختلف الشيعة 8 : 101 102 ، جواهر الكلام 29 : 40.
(23) هذا مع عدم تماميته سنداً، فإن راويه « المهلب الدلاّل » لا توثيق له في كتب الرجال، وفي الوسائل بعد نقله: « حمله الشيخ على التقية » أنظر : 21/35. قال في الجواهر: ومن هناكان المعروف بين الأصحاب خلافه، بل هو من الأقوال الشاذة في هذا الزمان، بل هو كذلك في السابق أيضاً، بقرينة ما حكي من الاجماع في الانتصار والناصريات والخلاف والغنية والسرائر والتذكرة على عدم الوجوب، وهو الحجة ، بعد الأصل والأخبار الكثيرة.
(24) وسائل الشيعة 22 : 106/6 . أبواب أقسام الطلاق ، الباب 1.
(25) وسائل الشيعة 22 : 104/2 . أبواب أقسام الطلاق ، الباب 1.
(26) سورة البقرة 2 : 282.
(27) كشف اللثام 10 : 354.
(28) جواهر الكلام 41 : 178.
(29) سورة البقرة 2 : 282.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *