1- اعتبار التعدد في الشهود

الأمر الأول

في اعتبار التعدد في الشهود

لقد تقرر في علم الاصول حجية خبر الواحد الثقة في الأحكام. أما في الموضوعات، فقد ادعي الإجماع على اعتبار التعدد المعبر عنه بـ «البينة»، واستدل له بوجوه، عمدتها خبر مسعدة بن صدقة الذي جاء فيه: «والأشياء كلّها على هذا حتى تستبين أو تقوم به البينة»(1)، وربما قيل: بأن الإجماع هنا إن لم يكن كاشفاً عن رأي المعصوم، فلا أقلّ من كشفه عن اعتبار الخبر المزبور ونحوه وعمل الأصحاب به.
إلا أن التحقيق هو كفاية خبر الثقة في الموضوعات أيضاً، للسيرة القطعية التي لا يصلح للردع عنها مثل خبر مسعدة المخدوش دلالة بل وسنداً، والإجماع المدّعى ليس بحجّة، ولا يكشف عن اعتبار الخبر عندهم، لاختلافهم في الاستدلال في المسألة.
وأيضاً، لا يعتبر في المخبر الثقة أن يكون عادلاً، للسيرة العقلائية القطعيّة، وكون آية النبأ(2) رادعة عن هذه السيرة يتوقف على أن يكون الأمر فيها بالتوقف عن قبول خبر الفاسق تعبداً شرعياً، إلا أن مقتضى الأمر بالتبين والتعليل بعدم الإصابة… هو الإرشاد إلى ما عليه السيرة العقلائية، من عدم الاعتماد على خبر الفاسق، لا لكونه فاسقاً بل من جهة عدم الوثوق بخبر الفاسق، وحينئذ، فحيث يكون الفاسق صادقاً في إخباره، فلا حاجة إلى التبين، لعدم ترتب الإصابة بجهالة والندم على العمل بخبره.
فتحصل، أنه لا يعتبر التعدد ولا العدالة في الإخبار عن الموضوعات، لعدم ثبوت الرادع عن السيرة القائمة فيها، هذا في غير باب القضاء.
أما في باب القضاء، فليس الأمر بهذه السهولة، لأنه الباب الموضوع لحلّ المنازعات وفصل الخصومات الواقعة في النفوس والفروج والأنساب والأموال والحقوق… هذه الامور التي شدّد الشارع فيها وأكّد على الإحتياط… فكان مقتضى الحكمة أن لا يكتفي بشهادة الثقة ولا العدل الواحد، بل اعتبر «البينة» فقال: «إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان»(3) و «البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر»(4).
ولم يرد عن الشارع الحكم بشهادة الواحد، وحيثما حكم بشهادته لقّبه بـ«ذو الشهادتين»(5).
ومن هنا كان للفظ «البينة» وضع خاص في عرف الشرع والمتشرعة، في مقابل معناه اللغوي، وإن شئت فقل: إن «ما يبيّن الشي» في بحوث القضاء هو «الشهادة العادلة».

(1) وسائل الشيعة 17 : 89/4 . وفيه : يستبين لك غير ذلك …
(2) سورة الحجرات 49 : 6.
(3) وسائل الشيعة 27 : 232/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 2.
(4) وسائل الشيعة 27 : 293/3 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 25.
(5) اختيار معرفة الرجال 1 : 260.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *