مقدّمة

كتابُ الشهادات
* المقدّمة ، وفيها ثلاثة أمور.
* تعريف الشهادة لغةً وشرعاً.
تقرير السيد الگلپايگاني

مقدّمةٌ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين، لا سيّما خليفة الله في الأرضين، الإمام الثاني عشر، الحجّة ابن الحسن العسكري، أرواحنا فداه، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين، من الأوّلين والآخرين.
أما بعد، فقد قال الله عزّوجلّ:
(وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(1).
لقد أولى الفقه الجعفري اهتماماً بالغاً بموضوع «القضاء»، وكانت القوانين المقررة فيه في غاية الدقة والمطابقة مع ما تقتضيه الفطرة الإنسانية، وقد تقدّم منّا بعض الكلام حول أهمية القضاء وأثره، وموقعه في فقه أهل البيت.
وبعد الفراغ من البحث عن آداب القضاء، وصفات القاضي، جاء دور البحث عن أحكام الدعوى وموازين الحكم، التي منها «إن البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر»(2).
بل إن «البينات» و«الايمان» هما العنصران الأساسيّان لـ «القضاء».
وأما حكم القاضي بعلمه، ففيه كلام، على أنه من الندرة بمكان، وكذا حكمه استناداً إلى الإقرار، بل قد يقال بعدم توقّف الأخذ به على الحكم.
ويدل على ما ذكرنا قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إنما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان»(3) وقول الباقر عليه السلام: «أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنّة ماضية من أئمة الهدى»(4).
ولعل المراد من السنّة الماضية من أئمة الهدى هو المراد ممّا أشار إليه الإمام عليه السلام في خبر أبي خديجة بقوله «قضايانا»(5).
و «البيّنات» جمع «البيّنة» وهي «الشهادة العادلة»، و «الأيمان» جمع «اليمين» وقد وصفها في الخبر الثاني بـ «القاطعة».
وفي كلّ من «البينة» و «اليمين» بحوث علميّة على ضوء الروايات الواردة في أحكامهما، وحدودهما، يتبيّن من خلالها جانب من اهتمام فقه أئمة أهل البيت بموضوع القضاء، وشدّة احتياطه في الحقوق، ومدى تلائم تلك الأحكام مع قضاء الفطرة وحكم العقل…
ومن هنا، فقد نصّت الأخبار على أن كلّ حكم توفّرت في مقوّماته ومقدّماته الموازين المقررة فهو نافذ، لأنه حكم الله، وإلاّ فهو مردود، لأنه حكم الجاهلية: فعن الإمام عليه السلام: «الحكم حكمان، حكم الله عزّوجلّ، وحكم أهل الجاهلية، فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية»(6).
بل هو مردود إن لم يكن كذلك وإن كان حقاً: فعن الإمام عليه السلام: «القضاة أربعة، ثلاثة في النار وواحد في الجنة، رجل قضى بجور وهو يعلم، فهو النار، ورجل قضى بجور وهو لايعلم، فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم ، فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو يعلم، فهو في الجنة»(7).
وعلى هذا، فإن من «الحكم بما أنزل الله» قضاء القاضي «بالحق وهو يعلم».
وهذا العلم إن أُخذ من «أهل بيت النبوّة» فهو علم، وإلاّ فجهل وضلال.
قال أبو جعفر عليه السلام في حديث: «فليذهب الحسن ـ يعني البصري ـ يميناً وشمالاً، فوالله ما يوجد العلم إلاّ ههنا»(8).
وقال عليه السلام لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: «شرّقا وغرّبا، فلا تجدان علماً صحيحاً، إلا شيئاً صحيحاً خرج من عندنا أهل البيت»(9).
فيكون معنى الآية الكريمة: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(10) على ضوء ما تقدم والأحاديث الواردة عن الفريقين(11) في شأن أهل البيت وعلومهم: ومن لم يحكم بشي خرج صحيحاً من عند أهل البيت فحكمه حكم الجاهلية وإن كان في درهمين، وأولئك هم الكافرون.
ثم إن «الشهادة» أكثر دوراً وأعمق أثراً من «اليمين» في حكم الحاكم، «فإنما الشاهد يبطل الحق ويحق الحق، وبالشاهد يوجب الحق، وبالشاهد يعطى».
وقد وردت في أحكامها آيات من الكتاب، ونصوص كثيرة عن الأئمة الأطهار، أوردها صاحب الوسائل رحمه الله في 56 باباً…
ومن هنا كانت مباحثها في الكتب الفقهية أوسع من مباحث «اليمين».
ويعجبني أن أذكّر هنا بثلاثة أمور مستفادة من الكتاب والسنّة في «الشهادة»:

(1) سورة المائدة 5 : 44.
(2) وسائل الشيعة 27 : 293/3 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 25.
(3) وسائل الشيعة 27 : 232/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 2.
(4) وسائل الشيعة 27 : 43/19 . أبواب صفات القاضي ، الباب 6 . والحديث مروي عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.
(5) وسائل الشيعة 27 : 13/5 . أبواب صفات القاضي ، الباب 1.
(6) وسائل الشيعة 27 : 22/7 . أبواب صفات القاضي ، الباب 4.
(7) وسائل الشيعة 27 : 22/6 . أبواب صفات القاضي ، الباب 4.
(8) وسائل الشيعة 27 : 64/7 . أبواب صفات القاضي ، الباب 7.
(9) وسائل الشيعة 27 : 43/16 . أبواب صفات القاضي ، الباب 6 . وفيه : إلاّ شيئاً خرج ، وكلمة « صحيحاً » وردت في طبعة المكتبة الإسلامية ج18 ص26 وهي زائدة . راجع الكافي 1 : 329 ح3.
(10) سورة المائدة 5 : 44.
(11) كحديث الثقلين ، ولا سيّما ما اشتمل من ألفاظه على جملة « ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم » وكحديث : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » و « أنا مدينة الفقه وعلي بابها » وكحديث: « مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك »، وكحديث: « أقضاكم علي ». ومن هنا كان علي عليه السلام يقول: « سلوني قبل أن تفقدوني » وكان عمر يقول: « لولا علي لهلك عمر ». وإن شئت الوقوف على أسانيد وألفاظ هذه الأحاديث ونحوها ، فارجع إلى كتابنا (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار) المطبوع في عشرين مجلداً، وإلى كتاب (الغدير) وغيرهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *