ما هو المراد من البينة الكاملة هنا؟

ما هو المراد من البينة الكاملة هنا؟
قال المحقق: «ونعني بالكاملة ذات المعرفة المتقادمة والخبرة الباطنة»(1).
أقول: قد اختلفت عبارات الأصحاب في معنى البيّنة الكاملة ها هنا، ففي (المسالك) إن مقتضى عبارة المصنف والأكثر أن المراد بها ذات الخبرة والمعرفة بأحوال الميت، سواء شهدت بأنها لا تعلم وارثاً غيرهما أم لا، وحينئذ تنقسم إلى ما يثبت بها حق المدعي، بأن تشهد بنفي وارث غيره، وإلى غيره وهي التي لا تشهد بذلك.
وقد اختار صاحب (المسالك) هذا المعنى، وذكر أن الشهادة هي أن يشهد العدلان بعدم وجود وارث آخر فيما يعلمان قال: «ولا يجب القطع بل لا يصح، ولا تبطل به شهادتهم»(2).
وتبعه في ذلك كلّه كاشف اللثام في تفسير عبارة القواعد التي هي مثل عبارة المتن.
وفي (الجواهر): «الظاهر الإكتفاء في ثبوت الوصفين بشهادتهما بذلك بعد ثبوت عدالتهما، بل الظاهر كون المراد بكمالها أنها تشهد بالنفي، وحينئذ، فعدم شهادتها بذلك هو عدم كمالها، فقول المصنف: ]ولو لم تكن البينة كاملة وشهدت أنها لا تعلم وارثاً غيرهما[ بمنزلة التفسير لها كقوله أولاً: ]وشهدت[ إلى آخره»(3).
واعترض على الشهيد الثاني وكاشف اللثام قائلاً: «وما أدري ما الذي دعاهما إلى ذلك؟! مع أن حمل العبارة على إرادة التفسير أولى كما هو صريح الإرشاد قال: ولو ادّعى ما في يد الغير أنه له ولأخيه الغائب بالإرث، وأقام بينه كاملة، بأن شهدت بنفي وارث غيرهما سلّم إليه النصف»(4) ولا ينافي ذلك قوله في المتن «ونعنى» إلى آخره المحمول على إرادة بيان أن الشهادة بالنفي على وجه القطع لا تكون غالباً إلا من ذي الخبرة الباطنة.
ودعوى المفروغية من الاجتزاء بشهادة ذي الخبرة بنفي العلم، محل منع وإن جزم به في الدروس، كدعوى المفروغية من عدم قبول شهادة غير ذي الخبرة بالنفي على وجه القطع، بل هو في الحقيقة قدح في الشاهد العدل.
فالتحقيق حينئذ هو الاكتفاء بالشهادة بالنفي من العدل مطلقاً، وعدم الإكتفاء بها إذا كانت بنفي العلم كذلك، إلا إذا اُريد من عدم العلم النفي فيما يعلم، فإنها شهادة بالنفي حينئذ، كما هو ظاهر كلامهم خصوصاً الدروس، وبهذا المعنى يمكن الفرق بين ذات الخبرة وغيرها، لكن قد يقال: إن الشهادة بالنفي المزبور أيضاً لا تكون إلا من ذي الخبرة أو شبهه»(5).
أقول: إنه يعتبر في هذه الشهادة ثلاثة أمور:
أحدها: أن يشهدا بكون الدار ملكاً للميت.
والثاني: أن يشهدا بكون الأخوين وارثين.
والثالث: أن يشهدا بعدم وجود وارث غيرهما.
لكن الأصحاب لم يتعرّضوا لاعتبار الأمر الأول، واختلفوا في الثالث وأنه هل يشترط أن تكون الشهادة بالنفي على وجه القطع أولا؟ وظاهر عبارة المحقق قدّس سرّه هو ما ذكره ثاني الشهيدين، وحملها على ما في (الجواهر) خلاف ظاهرها.
نعم، لا مانع من القول بالإكتفاء بالإستصحاب بالشهادة بالنفي، لخبر معاوية قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يكون في داره، ثم يغيب عنها ثلاثين سنة، ويدع فيها عياله، ثم يأتينا هلاكه، ونحن لا ندري ما أحدث في داره، ولا ندري ما أحدث له من الولد، إلا أنا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئاً ولا حدث له ولد، ولا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل أن هذه الدار دار فلان بن فلان مات وتركها ميراثاً بين فلان وفلان، أو نشهد على هذا؟ قال: نعم»(6).

(1) شرائع الإسلام 4 : 121.
(2) مسالك الأفهام 14 : 142.
(3) جواهر الكلام 40 : 509.
(4) ارشاد الأذهان 2 : 153.
(5) جواهر الكلام 40 : 509.
(6) وسائل الشيعة 27 : 336/2 . أبواب الشهادات ، الباب 17.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *