حكم ما لو ادعى أبو الميتة أنه أعارها بعض المتاع

حكم ما لو ادعى أبو الميتة أنه أعارها بعض المتاع
قال المحقق: «ولو ادّعى أبو الميتة أنه أعارها بعض ما في يدها من متاع أو غيره، كُلّف البينة كغيره من الأنساب»(1).
أي: لعمومات البينة على المدّعي واليمين على المدّعي عليه.
قال: «وفيه رواية بالفرق بين الأب وغيره ضعيفة»(2).
أقول: هي ضعيفة عند المحقق، وذلك على احتمال في (الكافي) و (التهذيب)، وهي في (الفقيه) صحيحة جزماً على ما قيل كما في (الجواهر)(3).
وهي رواية جعفر بن عيسى قال: «كتبت إلى أبي الحسن ـ يعني: علي بن محمد ـ المرأة تموت فيدّعي أبوها أنه كان أعارها بعض ما كان عندها من متاع وخدم، أتقبل دعواه بلا بينة أم لا تقبل دعواه بلا بينة؟ فكتب إليه عليه السلام: يجوز بلا بينة.
قال: وكتبت إليه: إن ادّعى زوج المرأة الميتة أو أبو زوجها أو اُم زوجها في متاعها وخدمها مثل الذي ادّعى أبوها من عارية بعض المتاع والخدم، أيكون في ذلك بمنزلة الأب في الدعوى؟ فكتب: لا»(4).
وقد أطنب ابن ادريس في ردّها بوجوه، فقال ما نصّه: «ولقد شاهدت جماعة من متفقهة أصحابنا المقلدين لشواذ الكتاب يطلقون بذلك، وأن أبا الميتة لو ادّعى كلّ المتاع وجميع المال كان قوله مقبولاً بغير بينة، وهذا خطأ عظيم في هذا الأمر الجسيم، لأنهم إن كانوا عاملين بهذا الحديث فقد أخطأوا من وجوه:
أحدها: إنه لا يجوز العمل بأخبار الآحاد عند محصّلي أصحابنا، على ما كرّرنا القول فيه وأطلقناه.
والثاني: إن من يعمل بأخبار الآحاد لا يقول بذلك ولا يعمل به إلا إذا سمعه من الراوي من الشارع.
والثالث: إن الحديث ما فيه إنه ادّعى أبوها جميع متاعها وخدمها، وإنما قال لبعض ما كان عندها، ولم يقل لجميع ما كان عندها.
ثم إنه مخالف لأصول المذهب ولما عليه إجماع المسلمين أن المدّعي لا يعطى بمجرد دعواه… ثم لم يورد هذا الحديث إلا القليل من أصحابنا، ومن أورده في كتابه لا يورده إلا في باب النوادر، وشيخنا المفيد وسيدنا المرتضى لم يتعرّضا له ولا أورداه في كتبهما، وكذلك غيرهما من محققي أصحابنا، وشيخنا أبو جعفر ما أورده في كتبه بل في كتابين منها فحسب، إيراداً لا اعتقاداً، كما أورد أمثاله من غير اعتقاد لصحته…
ثم شيخنا أبو جعفر الطوسي رجع عنه وضعّفه في جواب المسائل الحائريات المشهورة عنه المعروفة…»(5).
قلت: لكن هذه الوجوه بعضها مبني على مسلكه، وبعضها غير وارد، لأنه خلاف الظاهر.
وكون الرواية مطابقة للقاعدة الشرعية غير بعيد، فإذا أعطى الأب شيئاً إلى ابنته في تجهيزها وغيره، فادّعت تمليكه ذلك إياها، فأنكر الأب ذلك، كان القول قوله، لأن الأصل عدم انتقال الملك.
نعم، لو انتقل ما كان بيدها إلى ورثتها، ووقع النزاع بينهم وبين الأب، فقالوا: هذا لاُمنّا وهو لنا الآن بالإرث، فقال الأب: هو لي ولم أملّكها المال، كان الأب مدّعياً وكان عليه إقامة البينة.
فعلى الوجه الأول تكون الرواية مطابقة للقاعدة، وعلى الثاني مخالفة.
والظاهر هو الأول، لأنهم يقرّون بإعطاء الأب المال لاُمّهم.

(1) شرائع الإسلام 4 : 120.
(2) شرائع الإسلام 4 : 120.
(3) جواهر الكلام 40 : 501 . الكافي 7 : 431/18 . تهذيب الأحكام 6 : 289/800 . من لا يحضره الفقيه 3 : 110/3429.
(4) وسائل الشيعة 27 : 29/1 . أبواب كيفية الحكم الباب 23 . عن الكليني عن محمد بن جعفر الكوفي يعني الأسدي عن محمد بن إسماعيل عن جعفر بن عيسى.
قال: ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب. ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن عيسى عن أخيه جعفر بن عيسى.
فأما احتمال الضعف في طريق الكافي والتهذيب فالظاهر أنه من جهة « محمد بن إسماعيل وهو البرمكي » بناء على اعتبار جرح ابن الغضائري لكن عن النجاشي: « ثقة مستقيم ».
وأما الجزم بصحة طريق الفقيه، فإنّ إسناد الصدوق إلى محمد بن عيسى ـ وهو « ابن عبيد » ـ صحيح، وأن هذا الرجل ثقة عند النجاشي، وقوله مقدّم على قول الشيخ لدى التعارض، إن لم يسقط تضعيف الشيخ هنا لابتنائه على ما ذكره شيخنا الجد المامقاني، وإن أخاه « جعفر بن عيسى » ثقة…
(5) السرائر في الفقه 2 : 192.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *