حكم ما لو ادّعى أحدهم الكلّ و الآخر النصف و الثالث الثلث

حكم ما لو ادّعى أحدهم الكلّ و الآخر النصف و الثالث الثلث
قال المحقق قدّس سرّه: «ولو ادّعى أحدهم الكلّ والآخر النصف والثالث الثلث، ولا بينة، قضي لكلّ واحد بالثلث، لأن يده عليه، وعلى الثاني والثالث اليمين لمدّعي الكلّ، وعليه وعلى مدّعي الثلث اليمين لمدعي النصف».
أقول: في هذا الفرع خمس صور، ذكر المحقق قدّس سرّه منها صورتين وصاحب (الجواهر) قدّس سرّه ثلاث صور:
فالصورة الاولى من الصورتين: أن لا تكون لأحدهم بينة، والحكم فيها ما ذكره المحقق قدّس سرّه من أنه يكون لكلّ واحد منهم منا في يده وهو الثلث، غير أن مدّعي النصف ومدّعي الثلث يحلفان لمدّعي الكلّ، لأن الخارج له ـ مع عدم البينة ـ حق اليمين على الداخل، كما أن لمدّعي النصف حق اليمين على مدّعي الثلث في مقابل نصف السدس، وعلى مدّعي الكلّ في مقابل النصف الآخر.
والصورة الثانية منهما: أن يكون لكلّ منهم بينة. قال المحقق: «وإن أقام كلّ منهم بينة، فإن قضينا مع التعارض ببينة الداخل فالحكم كما لو لم تكن بينة، لأن لكلّ واحد بينة ويداً على الثلث.
وإن قضينا ببينة الخارج ـ وهو الأصح ـ كان لمدّعي الكلّ ممّا في يده ثلاثة من اثنى عشر بغير منازع، والأربعة التي في يد مدّعي النصف لقيام البينة لصاحب الكلّ بها وسقوط بينة صاحب النصف بالنظر إليها إذ لا تقبل بيّنة ذي اليد، وثلاثة مما في يد مدّعي الثلث، ويبقى واحد مما في يد مدّعي الكلّ لمدّعي النصف، وواحد مما في يد مدّعي الثلث يدّعيه كلّ واحد من مدّعي النصف ومدّعي الكلّ، يقرع بينهما ويحلف من يخرج اسمه ويقضى له، فإن امتنعا قسّم بينهما نصفين.
فيحصل لصاحب الكلّ عشرة ونصف، ولصاحب النصف واحد ونصف، وتسقط دعوى مدّعي الثلث»(1).
أي: إنه حيث يكون لكلّ منهم بيّنة مع اليد يحكم الحكم لكلّ بما في يده، لكن بينة كلّ واحد منهم بالنسبة إلى ما يدّعيه مما في يد الآخر بينة الخارج، فمدّعي النصف تتقدّم بيّنته في نصف السدس في يد مدّعي الكلّ فيأخذه، ثم إن مدّعي الكلّ يدّعي على مدّعي النصف فيأخذ منه الأربعة، ويدّعي على مدّعي الثلث كلّ ما في يده، لكن مدّعي النصف يطالب بنصف السدس، فيقع التعارض فيه بين مدّعي الكلّ ومدّعي النصف فيقترع، فمن خرج اسمه وحلف أخذ، فإن امتنع فالآخر، وحيث يمتنعان عن اليمين فالتنصيف، فيكون لمدّعي الكلّ من الاثني عشر (5/10) ولمدّعي النصف (5/1) ولا شيء لمدّعي الثلث لسقوط دعواه من جهة كون بينته داخلة، وقد ذكرنا أنها لا تؤثر مع وجود الخارج.
وأما الصور الثلاث التي ذكرها صاحب (الجواهر):
فالاولى: أن يكون لمدّعي الكلّ فقط بينته، وحينئذ، فهو خارج بالنسبة إلى ما في يد الآخرين، فيحكم له ببينة ويكون الكلّ له.
والثانية: أن يكون لمدّعي الثلث فقط بينة، وحينئذ، يأخذ ما في يده من غير يمين إن قلنا بكفاية البينة عنه. وفي (كشف اللثام): «أخذه ـ أي الثلث ـ الذي بيده أو الذي بأيدي الباقين» والباقي يكون بين الآخرين، لمدّعي الكلّ السدس من الباقي بغير يمين لعدم المنازع له فيه، ويحلف على السدس الآخر الذي يدّعيه الآن مدّعي النصف عليه، كما أن مدّعي النصف يحلف على جميع ما يأخذه من السدسين لمدّعي الكلّ الذي يدّعيهما عليه.
والثالثة: أن يكون لمدّعي النصف فقط بينة، فإنه يأخذ من كلّ من الآخرين نصف سدس، فيتمّ له مع ما في يده النصف الذي يدّعيه، ثم إن النصف الباقي يقسّم بين الآخرين بالتساوي، فيكون لكلّ منهما سدس ونصف، أي لكلٍّ (3) من (12) قاله في (الجواهر)(2).
وفيه: إنه بعد ما أخذ مدّعي النصف نصفه، يكون السدس من النصف الباقي خارجاً عن النزاع، فيكون لمدّعي الكلّ، ويبقى النزاع في السدسين الباقيين وهي الأربعة التي بيد مدعي الثلث، فإن كلاًّ من مدّعي الكلّ ومدّعي الثلث يدّعيه، وحيث لا بينة يقسّم بينهما بالتنصيف، فيتحصل من ذلك أنه يعطى لمدّعي النصف (6) ولمدّعي الكلّ (4) ولمدّعي الثلث (2)، فما ذكره قدّس سرّه لا يتم على مذهب المشهور ولا على مذهب ابن الجنيد.
وقال كاشف اللثام: إنه بناء على عدم سماع بينة الداخل، يأخذ مدّعي النصف إن أقام البينة ثلاثة من مدّعي الكلّ، وثلاثة من مدّعي الثلث، ويرفع اليد عن الثلث ـ أي الأربعة ـ الذي في يده لهما.
وكذا قال فيما لو أقام مدّعي الثلث البينة وأسقطنا بيّنة الداخل.
لكنّ القدر المتيقن من تقدّم الخارج على الداخل هو أن يكون الشيء المتنازع فيه مفروزاً غير مشاع، وأما فيما نحن فيه، تكون الدعوى على الحق المشاع في مورد الدار، قال في (الجواهر): وقد يناقش فيه بأنه لا يتم ذلك في المشاع، بل مناف لما تسمعه من إقامة كلّ منهم البينة المنزّلة على ما في يده إلا ما زاد عليه، على أن البينة لا تزيد على إثبات المشاع الذي كانت تقتضيه اليد، وكأن الذي أحوجه إلى ذلك ذكرهم البينة هنا. وظاهرهم عدم الإحتياج معها إلى يمين، مع معروفيّة تقديم بينة الخارج عندهم، كمعروفية عدم الإكتفاء بها عن اليمين في الداخل، ومع هذه المقدمات يقتضي تنزيل مفاد البينة على الخارج بالتقرير الذي ذكره.
إلا أن ذلك كلّه كما ترى، بل كلام الأصحاب فيما لو أقام كلّ منهم البينة كالصريح في خلافه، فلا محيص عن حمل كلامهم هنا على تقدير تقديم بينة الداخل أو على الاكتفاء بها عن اليمين، أو التزام اليمين على ما في اليد، فتأمل(3).
أقول: لعلّ وجهه: إن وجود الفرق بين الأجزاء المشاعة والأجزاء المنحاز بعضها عن بعض واضح، لأنه في المشاع لما يضع الثلاثة أيديهم يكون بيد كلّ ثلث عرفاً، إلا أنه لا يملك كلّ واحد ما كان تحت يده، بل تعتبر السلطنة لكلّ على الثلث المشاع، ويعرض كلّ ثلث ما يعرض المشاع، كجواز بيع السهم المشاع في كلّ الأجزاء. فمن قال بحجيّة بينة ذي اليد فدليله العمومات وهي هنا تتقدّم بتأيّدها باليد، ومن قال بتقدم بينة الخارج فدليله التفصيل في الحديث، لكونه قاطعاً للشركة.
لكن الملاك الموجود في الجزء المنحاز موجود في هذا المقام، فيكون جواب (الجواهر) عن كلام كاشف اللثام فيه تأمل، أي، يمكن أن يقول العلماء في الثلث المشاع كقولهم في المنحاز، لوحدة الملاك.
ولو كانت يدهم جميعاً خارجة، واعترف ذو اليد بأنه لا يملكها ولا بينة، فللمستوعب النصف، لعدم المنازع له فيه من كلّ من مدّعي النصف والثلث، ويقرع في النصف الآخر، فإن خرجت لمدّعي الكلّ أو للثاني حلف وأخذ، وإن خرجت للثالث حلف وأخذ الثلث، ثم يقرع بين الآخرين في السدس، فمن خرج حلف وأخذ.
ولو أقام أحدهم خاصّة بينة، فإن كانت لمدّعي الكلّ أخذ الجميع، وإن أقامها مدّعي النصف أخذه، ويبقى لمدّعي الكلّ السدس بغير منازع، والثلث يتنازع فيه مع مدّعيه، والحكم فيه كما لو لم تكن بينة، ولو أقامها مدّعي الثلث أخذه ولمدّعي الكلّ السدس أيضا بغير منازع، والنصف يقرع فيه بين مدّعيه ومدّعي الكلّ.
وإن أقام كلّ منهم بينة وتساوت، فالنصف لمدّعي الكلّ، لعدم المنازع له فيه، والسدس الزائد على الثلث يتنازعه مدّعي الكلّ ومدّعي النصف، وقد تعارضت فيه بيّنتاهما، والثلث يدّعيه الثلاثة وقد تعارضت فيه البينات الثلاث، فيقرع بين المتنازعين فيما تنازعوا فيه، فمن خرج اسمه حلف وأخذ، وإن نكلوا اقتسموا المتنازع فيه، فيقسم مدّعي الكلّ ومدّعي النصف السدس بينهما نصفين، لأنهما يتنازعان فيه ، دون مدّعي الثلث، وأما الثلث فيقتسمونه أثلاثاً بينهم، فيكون لمدّعي الكلّ النصف بلا منازع ونصف السدس وثلث الثلث ولمدّعي النصف ثلث الثلث ونصف السدس، ولمدّعي الثلث ثلث الثلث خاصة وهو التسع.
وتصح في ستة وثلاثين، للمستوعب خمسة وعشرون: ثمانية عشر بلا نزاع، وثلاثة نصف السدس الزائد، وأربعة ثلث الثلث.
ولمدّعي النصف سبعة: ثلاثة نصف السدس، وأربعة ثلث الثلث.
ولمدّعي الثلث أربعة، ثلث الثلث.
وأما على العول الذي ذهب إليه ابن الجنيد فتصح في أحد عشر: لمدّعي الكلّ ستة، ولمدّعي النصف ثلاثة، ولمدّعي الثلث ثلثان، لأن فريضتهم من ستة، ويعال عليها نصفها وثلثها.

(1) شرائع الإسلام 4 : 117.
(2) جواهر الكلام 40 : 489.
(3) جواهر الكلام 40 : 486.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *