الثالثة: حكم دعوى رقيّة الصغير المجهول النسب

المسألة الثالثة

(حكم دعوى رقيّة الصغير المجهول النسب)

قال المحقق قدّس سرّه: «الصغير المجهول النسب إذا كان في يد واحد وادّعى رقيّته قضي بذلك ظاهراً، وكذا لو كان في يد اثنين»(1).
أقول: وجه الحكم برقيّة الصغير للمدّعي هو: أن رقيّة هذا الصغير أمر ممكن، والمدّعي لا معارض له في دعواه، وهو ذو يد عليه، فيجب أن تسمع ويقضى له، ـ قال في (الجواهر) ـ «بلا خلاف أجده فيه»(2).
إنما الكلام فيما إذا كبر هذا الصغير ونفى الرقيّة، فقد قيل: لا يسمع قوله، لعدم جواز نقض حكم الحاكم، وقيل: يسمع ويحلف المدّعي مع عدم البينة، وقيل: بل يسمع قوله في حال الصغر أيضاً ـ لولا الإجماع ـ وإن هذا المورد يستثنى من قاعدة حجية قول المدّعي الذي لا منازع له، لنص خاص رواه الشيخ الكليني قدّس سرّه عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد، وعن علي بن إبراهيم عن أبيه جميعاً عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن حمران بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة، ادّعى الرجل أنها مملوكة له وادّعت المرأة أنها ابنتها فقال: قد قضى في هذا علي عليه السلام.
قلت: وما قضى في هذا؟ قال: كان يقول: الناس كلّهم أحرار إلا من أقرّ على نفسه بالرق وهو مدرك. ومن أقام بينة على من ادّعى من عبد أو أمة فإنه يدفع إليه ويكون له رقّاً.
قلت: فما ترى أنت؟ قال: أرى أن أسأل الذي ادّعى أنها مملوكة له بينة على ما ادّعى، فإن أحضر شهوداً يشهدون أنها مملوكة لا يعلمونه باع ولا وهب، دفعت الجارية إليه، حتى تقيم المرأة من يشهد لها أن الجارية ابنتها حرّة مثلها، فلتدفع إليها وتخرج من يد الرجل.
قلت: فإن لم يقم الرجل شهوداً أنها مملوكة له؟ قال: تخرج من يده، فإن أقامت المرأة البينة على أنها ابنتها دفعت إليها، فإن لم يقم الرجل البينة على ما ادّعى ولم تقم المرأة البينة على ما ادّعت خلي سبيل الجارية تذهب حيث شاءت»(3).
أقول: لا ريب في أن اليد أمارة الملكية، وأن الناس يعاملون صاحب اليد معاملة المالك لما في يده، كما لا ريب في قبول قول ذي اليد مع عدم المعارض والمنازع.
أما في مورد دعوى الرقيّة، فإن الأصل هو حريّة الإنسان وعدم سلطنة أحد على أحد.
واليد إنما تكون أمارة على الملكية لما في اليد، فيما إذا كان الشي الذي في اليد قابلاً للملكية، ومن هنا يشكل الحكم في المائع المردّد بين كونه ممّا يقبل الملكية كالخل أو ممّا لا يقبلها كالخمر بأنه خلٌّ استناداً إلى اليد.
وفي حجية قول ذي اليد بالنسبة إلى الأعم من الملكية وغيرها من الخصوصيات بحث، وإن كان قول الأكثر ذلك، لكن حجية قوله من آثار حجية اليد، ومع الشك في قابلية الشي للملكية يشكل ترتيب الأثر على قول ذي اليد، ولذا وقع الكلام في ملكية الكبير الساكت والمجنون، فقال بعضهم بعدم حجية قول ذي اليد.
وبما ذكرنا ظهر عدم تمامية تقديم اليد على أصالة الحريّة من جهة تقديم الأمارة على الأصل، فإن اليد أمارة وحجة على الملكية فيما يقبلها.
فيبقى الإجماع، لكن يحتمل كون مدركه قاعدة اليد، فلا يمكن الاعتماد عليه.
فظهر أن الصحيح هو سماع دعوى الصغير في حال صغره، لكن الاستدلال عليه بالخبر المزبور ضعيف من جهة أخرى، فقد اشتمل على أنه إذا «لم تقم المرأة البينة على ما ادّعت خلّي سبيل الجارية تذهب حيث شاءت» والحال أنه حيث أقرّت المرأة بكون الجارية ابنتها، فقد وجب عليها نفقة الجارية وإن لم يثبت النسب من جهة عدم البينة، ولعلّ هذا وجه إعراض الأصحاب عن هذا الخبر.
وأما إذا كبر الصغير فأنكر، فالحق سماع دعواه، فإن أقام بينة على أنه ابن فلان أو إنه لقيط فهو، وإلا حلف المدّعي، وإنما تسمع دعواه لأن كلّ دعوى يمكن أن تكون صحيحة فهي مسموعة.
لا يقال: بأنه يستلزم النقض.
لأنا نقول: بأن النقض يتحقق بأن يطالب الرجل باليمين بعد الكبر على دعواه السابقة التي حكم فيها الحاكم، وأما إقامة دعوى جديدة فلا مانع منها ولا تكون نقضاً.
هذا كلّه في الصغير.

(1) شرائع الإسلام 4 : 116.
(2) جواهر الكلام 40 : 476.
(3) وسائل الشيعة 27 : 253/9 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *