حكم ما لو ادعى اثنان شراء دار وهي في يد البائع

حكم ما لو ادعى اثنان شراء دار وهي في يد البائع
قال المحقق قدّس سرّه: «ولو ادّعى كلّ منهما أنه اشترى داراً معينة وأقبض الثمن وهي في يد البائع، قضي بالقرعة مع تساوي البينتين عدالة وعدداً وتأريخاً، وحكم لمن يخرج اسمه مع يمينه»(1).
أقول: إذا ادّعى كلّ منهما شراء دار معيّنة من مالكها وإيفاء الثمن وهي بعد في يد البائع، فإن كانا واجدين للبيّنة فتارة: يتقدم تأريخ احدى البيّنتين، وحينئذ يحكم لصاحبها ويدفع الثمن للآخر، قال كاشف اللثام: «وإن أمكن أن يكون باعها من الأول ثم اشتراها ثم باعها من الثاني، لحصول الجمع بين البينتين ببيعها من الثاني وإن لم يشترها لجواز بيع ملك الغير، لكن إذا لم يجزه انفسخ واستقر عليه الثمن» واُخرى: يتفقان تأريخاً، فإن كان في احداهما شيء من المرجّحات فهو، وإن تساوتا عدالة وعدداً، أُقرع بينهما وحكم لمن خرج اسمه مع يمينه، فإن نكل أُحلف الآخر، فإن نكل كذلك قسّمت الدار بينهما، ورجع كلّ منهما بنصف الثمن.
وإن عدما البيّنة فهنا صور:
الأولى: أن يكذّب المدّعى عليه ـ وهو صاحب الدار ـ كليهما، وحينئذ، يحلف لكلّ منهما ويندفعان عنه، فإن نكل فالقولان السابقان من الحكم بالنكول أو الردّ ثم الحلف والحكم.
الثانية: أن يصدّق أحدهما ويكذّب الآخر، فأما الذي صدّقه فتسلّم إليه الدار، وأما الذي كذّبه فيحلف له على الإنكار، وإن نكل فالقولان، وحيث يحكم للمدّعي يلزم صاحب الدار بدفع قيمة الدار إليه، كما هو الحكم فيما إذا صدّق الثاني أيضاً بعد تصديق الأول وتسليم الدار إليه.
وهل أن تصديق المدّعي الأول المستتبع لدفع الدار إليه إتلاف لمال المدّعي الثاني؟ إن كان الإقرار قبل القبض تلفاً، فإنه يكون في مال البائع، إذ كلّ تلف قبل القبض فهو من مال البائع، وحينئذ، لا يجب عليه الحلف للمدّعي الثاني، بل بنفس التلف ينفسخ العقد، لكن الإشكال في كون ذلك مصداقاً للتلف، من جهة أن البائع ينكر أصل البيع للثاني، فكيف يكون إقراره للأول إتلافاً؟
وأمّا ما في (الجواهر) «وحلف للآخر(2) إن لم نقل إن الإقرار بها قبل القبض بمنزلة التلف لآفة سماوية… نعم، لو قلنا إن الإقرار قبل القبض إتلاف كالآفة السماوية، لم يتوجّه له اليمين حينئذ، وإن كان هو كما ترى».
ففيه: إن كلّ تلف قبل القبض فهو من مال البائع، يشمل إتلاف البائع نفسه، بل يكون حينئذ من مال البائع بالأولويّة.
وكيف كان، فعلى القول بعدم انفساخ العقد الثاني، توجّهت اليمين، وأما على القول بشمول «كلّ مبيع…» لإتلاف البائع، فالإنفساخ متحقق.
لكنّ الصحيح هو توجّه اليمين على البائع في محلّ الكلام، لما ذكرنا من عدم صدق الإتلاف بالإقرار مع إنكار أصل البيع.
الثالثة: أن يصدّق كليهما معاً، فالحكم حينئذ هو تنصيف الدار مع يمينهما، إذ تكون كالعين الخارجية التي وقع النزاع عليها وهي في يد المتنازعين، لأنه مع إقرار البائع لهما تكون يده بمنزلة يديهما، ثم إن صدّقهما في أخذ الثمن منهما استرجع لكلّ واحد نصف ما دفع إليه.
الرابعة: أن يصدّق كلّ واحد في النصف، فيحكم بالنصف لكلّ منهما مع حلفه له عى إنكار النصف الآخر، فإن كان مقراً بأخذ كلّ الثمن من كلّ واحد، وجب إرجاع النصف، وإلا أُحلف على إنكار أخذ الكلّ، فإن نكل وحلف المدّعي أُخذ منه.
الخامسة: أن يقول: لا أعلم لمن هي منكما، فيكون إقراراً بأنها ليست له، وحينئذ، تكون كالعين التي تنازع عليها اثنان مثلاً وليس لأحدهما عليها يد، وفيها أقوال:
أحدها: الحكم بالتنصيف، والثاني: القرعة مع اليمين، والثالث: القرعة بلا يمين لو امتنعا عنها أو حلفا معاً.

(1) شرائع الإسلام 4 : 114.
(2) في الجواهر المطبوع : « وإن لم نقل » لكن الواو زائدة . كذا أفاد السيد الاستاذ دام ظله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *