حكم الإستناد إلى الإستصحاب في الحكم والشهادة

حكم الإستناد إلى الإستصحاب في الحكم والشهادة:
أقول: هنا فروع متعددة:
فمنها: إنه هل للحاكم أن يحكم بالاستناد إلى الإستصحاب، كما إذا علم بكون العين لزيد سابقاً ثم لما ادّعاها عمر يشك فيستصحب بقائها على ملك زيد؟ إن قلنا بجواز حكم الحاكم بعلمه جاز حكمه باستصحابه، لأن استصحابه يقوم مقام علمه.
ومنها: إنه هل للشاهد أن يشهد مستنداً إلى الإستصحاب؟ وإذا جاز ذلك، فهل للحاكم الحكم مع علمه بأن لا مدرك لشهادته إلا الإستصحاب، أو مع تصريح الشاهد باستناده إلى الإستصحاب، أو تصريحه بالجهل بالأمر في الحال؟ وهل يعتبر ذلك شهادة؟
ومنها: إنه لو قال أشهد بكونها ملكاً لزيد أمس، ثم سكت بالنسبة إلى الحال ، فهل للحاكم أن يحكم بكونها لزيد في الحال أخذاً بالإستصحاب؟
قال في (الجواهر): لا مدرك للمسألة بحسب الظاهر إلا صدق اسم الشهادة عرفاً، فلا حكم للمشكوك فيها فضلاً عن غيرها، ولا ريب في عدم صدق الشهادة بالملك في الحال بمجرّد الشهادة على قدم الملك، بل قد يشك في صدقها مع التصريح بالإستصحاب، بل ومع قوله: لا أعلم له مزيلاً، فضلاً عن قول: لا أدري زال أم لا، وجواز الشهادة بالإستصحاب لا يقتضي تحقق اسمها مع التصريح به أو بما يساويه، وإنما المعلوم كونها شهادة عرفاً قوله هو ملكه في الحال، ولعلّه لذا اقتصر عليه بعضهم كما عن آخر التصريح بإرادة تحقق الملك الحال من قوله لا أعلم له مزيلاً نحو القول إن هذا الأمر قطعي لا أعلم فيه مخالفاً، ففي الحقيقة هو شهادة على عدوان اليد المعارضة(1).
قلت: قد يقال: صحيح إن الحاكم لا يحكم في هذه الحالة بالملكيّة الفعلية للمشهود له استنادا إلى هذه الشهادة، إلا أنه لما شهد الشاهد بالملكية السابقة فقد ثبت ملك أمس عند الحاكم بالشهادة، فإذا شك الحاكم نفسه في زوال تلك الملكية بادّعاء عمرو استصحب بقائها حتى الحال فيحكم بكون العين لزيد المشهود له، لكن هذا في صورة عدم كونها في يد عمرو، لأن يده حينئذ مقدمة على الإستصحاب المذكور، ولذا قيل إن للحاكم الحكم استناداً إلى الإستصحاب في صورة عدم وجود يد معارضة له.
قلت: لكن نفس الإدلاء بالشهادة له بالملكية، له ظهور عرفي في الشهادة على الملكية الفعلية وإن لم يضم إليه ضميمة، وإلا فما الداعي للشاهد على الشهادة على الملكية السابقة مع أن النزاع حول الملكية في الحال؟ فإذا كان الملاك هو الصدق العرفي فالظاهر تحققه، ولعلّ هذا وجه اطلاق المحقق قدّس سرّه.
وهنا فرع آخر تعرّض له المصنف في المسألة الخامسة.
قال في (الجواهر): وما عساه يظهر من بعض الناس من الإجماع على كون الشهادة المزبورة كالشهادة على الملك في الحال في الإنتزاع بها، بل مرجع الأخيرة إلى الاولى عند التحليل، ضرورة عدم الإحاطة بأسباب الإنتقال التي منها ما يقع بين المالك وبين نفسه من دون اطّلاع أحد، وحينئذ، فما دلّ على الأخذ بشهادة العدلين من قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «البينة على المدّعي» شامل للصورتين، بل محل البحث منهما هي الغالبة، لندرة البينة المطلعة على العدم، لم أتحققه.
فإن تمّ كان هو الحجة وإلا فالمسألة محلّ نظر، والظاهر عدم تماميته حيث يراد قيامها على مال في يد مسلم.
نعم، ربما يقال بتماميته حيث لا تكون يد، كما في خبر حمران(2) المشتمل على دعوى ملكية جارية بنت سبع سنين، فلاحظ(3).
هذا كلّه في الشهادة بالملك.

(1) جواهر الكلام 40 : 442.
(2) قال: « سألت أبا جعفر عليه السلام عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة، ادعى الرجل أنها مملوكة له وادّعت المرأة أنها ابنتها، فقال: قد قضى في هذا علي عليه السلام، قلت: وما قضى في هذا؟ قال: كان يقول: الناس كلّهم أحرار إلا من أقرّ على نفسه بالرق وهو مدرك، ومن أقام بينة على من ادّعى من عبد أو أمة فإنه يدفع إليه ويكون له رقّاً، قلت: فما ترى أنت؟ قال: أرى أن أسأل الذي ادعى أنها مملوكة له بينة على ما ادّعى، فإن أحضر شهوداً يشهدون أنها مملوكة لا يعلمونه باع ولا وهب ، دفعت الجارية إليه حتى تقيم المرأة من يشهد لها أن الجارية ابنتها حرة مثلها فلتدفع إليها وتخرج من يد الرجل، قلت: فإن لم يقم الرجل شهوداً أنها مملوكة له؟ قال: تخرج من يده ، فإن أقامت المرأة البينة على أنها ابنتها دفعت إليها ، فإن لم يقم الرجل البينة على ما ادعى ولم تقم المرأة البينة على ما ادعت ، خلّي سبيل الجارية تذهب حيث شاءت » وسائل الشيعة 27 : 252/9 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.
(3) جواهر الكلام 40 : 442 ـ 443.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *