3 ـ أن تشهد للداخل بالسبب وللخارج بالملك المطلق

3 ـ أن تشهد للداخل بالسبب وللخارج بالملك المطلق:
والصورة الثالثة: أن تشهد لذي اليد بالسبب وللخارج بالملك المطلق، قال المحقق قدّس سرّه: «أما لو شهدت للمتشبث بالسبب وللخارج بالملك المطلق، فإنه يقضى لصاحب اليد، سواء كان السبب مما لا يتكرر، كالنتاج ونساجة الثوب الكتان، أو يتكرر كالبيع والصياغة. وقيل: بل يقضى للخارج وإن شهدت بيّنته بالملك المطلق عملاً بالخبر، والأول أشبه»(1).
أقول: ذكر في هذه الصورة قولين، أحدهما: تقديم بيّنة الداخل، وإليه ذهب الأكثر، وهو الأشبه عند المحقق، والثاني: تقديم بينة الخارج، وإليه ذهب جماعة.
وقد استدلّ للقول الأول: بخبر عبد الله بن سنان قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن رجلين اختصما في دابّة إلى على عليه السلام، فزعم كلّ واحد منهما أنها نتجت عنده على مذوده، وأقام كلّ واحد منهما البينة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين، فعلّم السهمين كلّ واحد منهما بعلامة… فخرج اسم أحدهما فقضى له بها.
وكان أيضاً إذا اختصم إليه الخصمان في جارية، فزعم أحدهما أنه اشتراها وزعم الآخر أنه أنتجها، فكانا إذا أقاما البينة جميعاً قضى بها للذي أنتجت عنده»(2).
قلت: لكن ليس في الخبر ـ لا في السؤال ولا في الجواب ـ تعرض لليد، وأنه بيد من كانت الجارية، إلا أن يقال بأنه عليه السلام قضى للذي اُنتجت عنده من جهة كونه ذا يد، وإلا لقضى لمن ادّعى اشترائها، فإن ذلك مقتضى التوفيق بين الشهادتين كما تقدّم، ولكنه مع ذلك لا يخلو من الإجمال، إلا أن المشهور أفتوا على طبقه، ولعلّهم فهموا منه ما لم يتّضح لنا.
وأما دليل القول الثاني، فقد أشار إليه المحقق بقوله «عملاً بالخبر» وهو «البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر» أي: إنه لا اعتبار لبيّنة المدّعى عليه أصلاً.
واستدل للأوّل أيضاً بعمومات حجّية الشهادة، فتكون كلتا البينتين حجة، لكن تقدم بينة الداخل إما من جهة اعتضادها باليد وإما من جهة تأيّدها بخبر ابن سنان المزبور.
لكن القول الثاني يقول بتخصيص عمومات «البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر» لعمومات حجية شهادة العدلين، أي: إنه في مورد المرافعة لا تسمع بينة المنكر.
فإذا كان مقتضى «البينة على من ادّعى…» عدم سماع بيّنة المدّعى عليه كما تقدم، فإنه لا معنى لتقدّم بيّنة المنكر من جهة تأيّدها بما ذكر، فلوأردنا أن نقول بالقول الأول، فإما يكون من جهة التعبد بخبر ابن سنان، وقد عرفت ما فيه، وإما من جهة التساقط ثم القضاء لذي اليد، لكن يتوجه على المحقق حينئذ أنه إذا كان هذا هو المبنى، فلماذا قال في غير هذه الصورة بتقدّم بيّنة الخارج؟(3).
الصورة الثالثة: كون العين بيد ثالث وفيها الرجوع إلى المرجحات
الصورة الثالثة: من صور تعارض البينتين: أن تكون العين في يد ثالث، قال المحقق قدّس سرّه: «ولو كانت في يد ثالث قضى بأرجح البينتين عدالة، فإن تساويا قضى لأكثرهما شهوداً، ومع التساوي عدداً وعدالة يقرع بينهما، فمن خرج اسمه اُحلف وقضي له، ولو امتنع أُحلف الآخر وقضي له، وإن نكلا قضي به بينهما بالسوية»(4).
أقول: نسب هذا القول إلى الأشهر بل المشهور، بل ادعي الإجماع عليه، ولكن بالتتبع لكلماتهم يظهر عدم إمكان الوثوق بما ذكر، فقد قال بعضهم: بالقرعة، وقيل بالترجيح بأحد الأمرين، وقيل بكليهما، فمنهم قال بالترتيب ومنهم من قال بدونه… فنقول:
أما أدلّة «البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر» فلا يمكن الرجوع إليها في هذه الصورة، لأن كليهما ذوبيّنة وليس لأحدهما يد على العين، نعم، أثر البيّنتين نفي الثالث، لأن العين هي في الواقع لأحدهما لكنه مجهول، ولذا قيل هنا بالقرعة لأنها لكلّ أمر مشكل عملاً ببعض الأخبار، لكن أخبار القرعة هنا تشتمل على اليمين أيضا… وكيف كان، فالأولى ذكر نصوص المسألة مع التأمل في مداليلها:
1 ـ عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل…وذكر أن علياًعليه السلام أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البينة لهؤلاء أنهم انتجوها على مذودهم ولم يبيعوا ولم يهبوا، وقامت البينة لهؤلاء بمثل ذلك، فقضى عليه السلام بها لأكثرهم بينة واستحلفهم…»(5).
2 ـ عن داود بن سرحان «عن أبي عبد الله عليه السلام: في شاهدين شهدا على أمر واحد، وجاء آخران فشهدا على غير الذي شهدا عليه «شهد الأولان» واختلفوا. قال: يقرع بينهم فأيّهم قرع فعليه اليمين وهو أولى بالقضاء»(6).
3 ـ عن الحلبي قال: «سئل أبو عبدالله عليه السلام عن رجلين شهدا على أمر، وجاء آخران فشهدا على غير ذلك فاختلفوا، قال: يقرع بينهم فأيّهم قرع فعليه اليمين وهو أولى بالحق»(7).
4 ـ عن سماعة قال: «إن رجلين اختصما إلى علي عليه السلام في دابّة، فزعم كلّ واحد منهما أنها نتجت على مذوده، وأقام كلّ واحد منهما بيّنة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين فعلّم السهمين كلّ واحد منهما بعلامة ثم قال: اللهم ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع وربّ العرش العظيم عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم. أيّهما كان صاحب الدابة وهو أولى بها، فأسألك أن يقرع ويخرج سهمه. فخرج سهم أحدهما فقضى له بها»(8).
5 ـ عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام: «إن أمير المؤمنين عليه السلام اختصم إليه رجلان في دابّة، وكلاهما أقاما البينة أنه انتجها، فقضى بها للذي في يده وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين»(9).
6 ـ عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام: «إن رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دابّة في أيديهما، وأقام كلّ واحد منهما البينة أنها نتجت عنده، فأحلفهما عليه السلام فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف. فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما وأقاما البينة؟ فقال: أحلفهما، فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين. قيل: فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعاً البينة؟ قال: أقضي بها للحالف الذي هي في يده»(10).
7 ـ عن داود بن أبي يزيد العطار عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل كانت له امرأة، فجاء رجل بشهود أن هذه المرأة امرأة فلان، وجاء آخران فشهدا أنها امرأة فلان، فاعتدل الشهود وعدّلوا، فقال: يقرع بينهم، فمن خرج سهمه فهو المحق وهو أولى بها»(11).
8 ـ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام إذا أتاه رجلان «يختصمان» بشهود عدلهم سواء وعددهم، أقرع بينهم على أيّهما تصير اليمين وكان يقول: اللهم ربّ السماوات السبع «وربّ الأرضين السبع» أيّهم كان له الحق فأدّه إليه، ثم يجعل الحق للذي يصير عليه اليمين إذا حلف»(12).
9 ـ عن عبد الله بن سنان قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن رجلين اختصما في دابّة إلى علي عليه السلام، فزعم كلّ واحد منهما أنها نتجت عنده على مذوده، وأقام كلّ واحد منهما البينة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين، فعلّم السهمين كلّ واحد منهما بعلامة ثم قال: اللهم ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع وربّ العرش العظيم عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، أيّهما كان صاحب الدابة وهو أولى بها، فأسألك أن يقرع ويخرج اسمه. فخرج اسم أحدهم فقضى له بها»(13).
هذه هي نصوص المسألة، وهي مختلفة، ولقد اختلفت بتبعها أقوال الأصحاب فيها:
فبين من اقتصر على اعتبار الأعدلية خاصة، كالمفيد، ومن اقتصر على اعتبار الأكثرية كذلك، كالإسكافي والصدوقين، نعم، ذكرا قبل اعتبارها أن أحق المدعيين من عدّل شاهداه، فإن استوى الشهود في العدالة فأكثرهما شهوداً، وهو ليس نصّاً في اعتبار الأعدليّة.
وبين من اقتصر على اعتبارهما خاصة ولم يذكر الترتيب بينهما ولا القرعة بعدهما، كالشيخ في موضع من (الخلاف) قائلاً إنه الظاهر من مذهب الأصحاب، وبين من اقتصر على ذكر المرجح مطلقاً، من دون بيان له ولا ذكر قرعة، كالديلمي والشيخ في موضع من (الخلاف)، لكنه ذكر القرعة بعد العجز عن الترجيح مدعياً عليه إجماع الإماميّة.
وبين من فصّل بعين ما في العبارة، لكن مقدماً للأكثرية على الأعدلية، كالحلّي في (السرائر) وعزاه إلى ظاهر الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه.
وبين من اقتصر على القرعة خاصة، كالعماني.

(1) شرائع الإسلام 4 : 111.
(2) وسائل الشيعة 27 : 255/15 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.
(3) أقول: ولعلّه من هنا قال صاحب الجواهر: ولعلّ الأولى الإستدلال له بإطلاق قول أمير المؤمنين المتقدم يعنى: رواية إسحاق بن عمار التي جاء فيها: « فإن كان في يد أحدهما وأقاما جميعاً بيّنة، قال، أقضي بها للحالف الذي هي في يده » وقد عرفت اعتبارها عند السيد الاستاذ بالإنجبار.
(4) شرائع الاسلام 4 : 114.
(5) وسائل الشيعة 27 : 249/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.
(6) وسائل الشيعة 27 : 251/6 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.
(7) وسائل الشيعة 27 : 254/11 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.
(8) وسائل الشيعة 27 : 255/15 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.
(9) وسائل الشيعة 27 : 250/2 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.
(10) وسائل الشيعة 27 : 250/2 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.
(11) وسائل الشيعة 27 : 252/8 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.
(12) وسائل الشيعة 27 : 255/15 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.
(13) وسائل الشيعة 27 : 255/15 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *