1 ـ أن يصدّق من هي بيده أحدهما

1 ـ أن يصدّق من هي بيده أحدهما
أقول: والصورة الثالثة: أن تكون العين في يد ثالث ويدهما معاً خارجة عنها، فهنا صور، ذكر المحقق الاولى بقوله: (فإن صدق من هي في يده أحدهما أُحلف وقضى له) ووجه ذلك: أن العين تكون بإقرار الثالث ملكاً لزيد مثلاً، فيكون زيد صاحب اليد على العين والمدّعى عليه وعمرو هو المدعي، وحيث أنه لا بينّة في المقام، فإنه يحلف زيد ويقضى له، كذي اليد في قيام الشاهد الواحد فعلاً على ملكه.
لكن هنا بحث، من جهة أن ذا اليد في هذه الصورة هو الثالث، وقد كانت العين في يده من أول الأمر، فإن صدّق زيداً في دعواه كون العين له، فإن القدر المسلّم به من تأثير هذا الإقرار خروج العين عن ملك الثالث، لأن «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» وأما حجية هذا الإقرار فيما زاد عن ذلك ـ وهو كون العين لزيد المقرّ له ـ فإنها مبنية على القول بحجية الإقرار بالنسبة إلى الغير، وهذا أمر مختلف فيه، كما تقدم في محلّه، فإنه ـ بناءاً على القول بعدم ترتب الأثر على الإقرار بالنسبة إلى الغير ـ تخرج العين هنا عن ملك الثالث، ولا يكون زيد ذا يد عليها حتى لو سلّمها الثالث إليه بعد الدعوى، بل تكون عيناً لا يد لأحد عليها، وتجري حينئذ أحكام تلك الصورة.
وبالجملة، فقول الأكثر بكون زيد المقرّ له ذا يد، يتوقّف على أن يكون إقرار الثالث حجة شرعية بالنسبة إلى زيد، فيكون ذا يد على العين ومدّعى عليه، وإلا فلا دليل على ذلك، نعم، ذكر في (المستند) دليلين:
أحدهما: بناء العقلاء على جعل زيد في مفروض المسألة ذا اليد على العين ويعاملونه معاملة المالك للمال، وهذا نص كلامه: «ويدلّ على كونه للمصدّق له: إنه حينئذ يكون ذا اليد، فإن ظاهر العرف أن من أسباب صدق اليد كون الشيء تحت تصرف من ثبت أنه مباشره، كالوكيل والأمين والمستودع والمستأجر والمستعير، أو أقرّ بذلك…».
والثاني: الروايات، حيث قال: «ويدلّ عليه أيضاً أنه أقر الثالث بكونه له، ومن أقّر شيئاً في يده لأحد فهو له… للمستفيضة الدالّة على من أقر بعين لأحد فهو له:
كمرسلة جميل: في رجل أقرّ أنه غصب رجلاً على جاريته وقد ولدت الجارية من الغاصب، قال: تردّ الجارية وولدها على المغصوب إذا أقر بذلك أو كانت له بينة»(1)…
وصحيحة سعد بن سعد: «عن رجل مسافر حضره الموت، فدفع مالاً إلى رجل من التجّار، فقال: إن هذا المال لفلان ابن فلان ليس له فيه قليل ولا كثير، فادفعه إليه يصرفه حيث شاء، فمات ولم يأمر فيه صاحبه الذي جعله له ما مرّ، ولا يدري صاحبه ما الذي حمله على ذلك، وكيف يصنع؟ قال: يضعه حيث شاء»(2).
ومثلها صحيحة إسماعيل الأحوص…(3).
وصحيحة أبي بصير «عن رجل معه مال مضاربة فمات وعليه دين، فأوصى أن هذا الذي ترك لأهل المضاربة، أيجوز ذلك؟ قال: نعم، إذا كان مصدقاً»(4)أي لم يكن متّهماً.
ويؤيده أيضاً رواية المهتدي: «إن أخي مات فتزوّجت امرأته، فجاء عمّي وادّعى أنه تزوّجها سرّاً، فسألتها عن ذلك، فأنكرت أشد الإنكار، وقالت: ما كان بيني وبينه شيء قط. فقال: يلزمك إقرارها ويلزمه إنكارها»(5)(6).
ثم إن الحكم لزيد المقرّ له يتوقف على يمينه، أما الثالث فلا يمين عليه وإن كان ظاهر عبارة (القواعد) وجوبها عليه حيث قال: «ولو كانت في يد ثالث حكم لمن يصدّقه بعد اليمين منهما»(7). نعم، يتوجّه عليه اليمين إن طالب عمرو بها، وهل يحلف على نفي العلم بكونها له أو على البت؟ قال جماعة بالأول، وفي (الجواهر): الظاهر توجّه اليمين عليه على البت لأنه مدّعى عليه(8).
قلت: ومنشأ الخلاف هو الاختلاف فيمن هو المدّعى عليه في هذه الصورة، وقد أشرنا إلى ذلك.
وكيف كان، فإن نكل زيد حكم بكونها لعمرو، إما بمجرّد النكول وإما مع اليمين المردودة على القولين، وإن نكلا جميعاً فالحكم هو التنصيف.
ثم إن لعمرو أن يدّعي على الثالث دعوى جديدة، بعنوان كونه السبب في تلف ماله بتصديقه دعوى زيد دونه، ثم حكم الحاكم بكون العين لزيد على أثر تصديقه له، فيكون الثالث حينئذ مدّعى عليه وعليه اليمين، فإن نكل عنها لزمه الغرم، إما بمجرده وإما بعد اليمين المردودة، والوجه في صحة هذه الدعوى على الثالث كونه السبب في تلف المال من عمرو ـ وإن كان تملّك زيد له بحكم الحاكم ـ لأن السبب أقوى من المباشر.
وقد يستدل لذلك بعموم التعليل الوارد في خبر عمر بن حنظلة: «في رجل قال لآخر: اخطب لي فلانة، فما فعلت من شيء مما قاولت من صداق أو ضمنت من شيء فذلك رضى لي وهو لازم لي، ولم يشهد على ذلك، فذهب فخطب له وبذل عنه الصداق وغير ذلك مما طالبوه وسألوه، فلمّا رجع إليه أنكر له ذلك كلّه. قال: يغرم لها نصف الصداق عنه، وذلك أنه هو الذي ضيّع حقّها» الحديث(9).
وكيفما كان معنى الرواية، فإن محلّ الإستدلال قوله عليه السلام: (وذلك أنه هو الذي ضيّع حقها) فإن هذا التعليل يشمل ما نحن فيه، وحيث أن دعوى عمرو على الثالث هي بعنوان كونه المضيّع لحقّه، فإنه يلزم الثالث الغرم.
وهل الغرم بمقدار ثمن العين أو نصف ثمنه؟ الظاهر هو الأول، فيكون نظير ما إذا أقرّ بكون العين لزيد فدفعها إليه بحكم الحاكم، ثم أقر بكونها لعمرو، فإنه يلزم بدفع ثمن العين كلّه.
ولو أراد الثالث أن يحلف، فهل يحلف على البت أو على نفي العلم بكون العين ملكاً لعمرو المدعي؟
قيل بالأول.
واُشكل عليه بأن الدعوى قد انصرفت عنه بإقراره وحكم الحاكم، فلو أراد الحلف على البت كان في مال الغير، بل عليه أن يحلف على نفي العلم بكونها له.
أقول: إنه بناءاً على ما ذكرنا في كيفية طرح دعوى عمرو على الثالث، يتعيّن اليمين على البت، لأن الإتلاف فعل نفسه.
على أن الإتلاف لا يدور مدار العلم، فمن أتلف مال غيره ضمن، سواء كان عالماً أو جاهلاً أو ناسياً، إذ الموضوع للضمان هو الإتلاف وهو هنا متحقق حسب دعوى المدّعي.
هذا، وفي (القواعد): «ولو كانت في يد ثالث، حكم لمن يصدّقه بعد اليمين منهما»(10).
ومرجع الضمير في «منهما» هو المصدق، أي الثالث والمصدق المقرّ له.
وأشكل عليه في (الجواهر) بأنه لا أثر ليمين الثالث في حكم الحاكم بكون العين للمصدّق، قال: ويمكن تعلّق «منهما» بقوله: «يصدقه»، فيكون المراد بعد اليمين من المقرّ له، وحينئذ، تكون كعبارة المصنف. لكنه خلاف الظاهر(11).

(1) وسائل الشيعة 21 : 177/1 . أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب 61.
(2) وسائل الشيعة 19 : 293/6 . كتاب الوصايا ، الباب 16.
(3) المصدر 19 : 293 ، ذيل ح6.
(4) المصدر 19 : 296/14 . كتاب الوصايا ، الباب 16.
(5) المصدر 20 : 299/1 . أبواب عقد النكاح ، الباب 23.
(6) مستند الشيعة 17 : 351 ـ 353.
(7) قواعد الأحكام 3 : 468.
(8) جواهر الكلام 40 : 407.
(9) وسائل الشيعة 19 : 165/1 . كتاب الوكالة ، الباب 4.
(10) قواعد الأحكام 3 : 468.
(11) جواهر الكلام 40 : 407.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *