وهنا مسائل: لو تنازعا عيناً في يدهما و لا بيّنة

الكلام في:
الإختلاف في دعوى الأملاك
وفيه مسائل:

المسألة الأولى

وفيها صور:

الصورة الاولى: لو تنازعا عيناً في يدهما ولا بيّنة
قال المحقق: «لو تنازعا عيناً في يدهما ولا بينة، قضى بينهما نصفين، وقيل: يحلف كلّ منهما لصاحبه»(1).
أقول: لو تنازعا عيناً ولا بيّنة لأحدهما، فتارة: تكون العين في يدهما معاً، وأخرى: تكون في يد أحدهما خاصة، وثالثة: تكون في يد ثالث.
ففي الصورة الاولى، لا خلاف في أنه يقضى بينهما نصفين، بأن تكون نصف العين لهذا ونصفها الآخر لذاك، إلا أن الخلاف في توقّف ذلك الحكم على أن يحلف كلّ من المدعيين لصاحبه وعدمه، فظاهر المحقق قدّس سرّه هنا وجماعة الثاني(2)، واختار في (النافع) ـ كما قيل ـ الأول، وعليه جماعة، بل قيل إنه المشهور(3)، وتظهر الثمرة في صورة نكول أحدهما بناءاً على التوقف، فإنه يحكم بكون كلّها للآخر.
واستدل للقول الأول: بأن هذه الصورة من مصاديق قولهم عليهم السلام: «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه»(4) وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان»(5) بتقريب: إنّ كلّ واحد من المدّعيين قد وقعت يده في الحقيقة على نصف العين المتنازع فيها، لأن يده على النصف الآخر معارضة بيد الآخر، فيكون كلّ واحد منهما ذا يد على نصف العين ومالكاً له بمقتضى يده، ومدّعياً لملكية النصف الآخر الذي هو في يد صاحبه، والآخر ينكر دعواه، فكلّ منهما مدّع ومدّعى عليه، وحيث أنه لا بيّنة لأحد الطرفين، وجب على كليهما اليمين باعتبار أنهما منكران، فإذا حلفا حكم بالتنصيف.
واستدل للثاني: بأن كلّ واحد منهما يدّعي ملكيّة كلّ العين، ولا ريب في مخالفة دعوى أحدهما للواقع، وحينئذ، فلا كاشفية ليد أحدهما بالنسبة إلى ملكية الكلّ، لوجود المعارض، بل يتساقطان، فلا مدّعي ولا مدّعى عليه، ويكون الحكم هو التنصيف، وقد ادّعي عليه الإجماع، وهو ظاهر المرسل المنجبر ضعفه بما ذكر، حيث روي «إن رجلين تنازعا دابّة ليس لأحدهما بيّنة، فجعلها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بينهما»(6) فيكون المورد نظير العين التي يدّعيها اثنان ولا يد لأحدهما عليها، فالحكم هو التنصيف لا القرعة، للنص والإجماع، وليس مورداً للحلف.
ويحتمل هنا الحكم بالتحالف، بأن يحلف كلّ واحد على ما يدّعيه ونفي ما يدّعيه الآخر، ثم يقع البحث في كيفية الحلف.
ولو فرض أن كلّ واحد جاء ببيّنة على ما يدّعيه، فإن البيّنتين تتعارضان، فإن حلف أحدهما طبق بيّنته حكم له، وإن لم يحلفا أو حلف كلاهما حكم بالتنصيف.
وربما يجمع بين القولين الأولين في المسألة بأن القول بالحلف هو في صورة مطالبة الخصم، والقول بعدم لزومه هو في صورة عدمها، وهذا الجمع يخالف ظاهر كلمات القوم.
وصاحب (الجواهر) ينكر شمول قاعدة «البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه» لهذه الصورة، بتقريبين:
ففي الأول: بسقوط اليد بالمعارضة، فلا مدّعى عليه، فيحكم بالتنصيف، عملاً بالنص، أو من جهة أنه طريق عقلائي، إذ متى لم يمكن العمل بمقتضى كلا اليدين معاً فيحكم العقلاء بذلك.
وفي الثاني: إنه لا مدّعي في هذا المقام، من جهة أن كلاًّ منهما ذو يد، فكلّ منهما مدّعى عليه، ولذا لو ادّعى ثالث هذه العين طالباه بالبينة على ما يدّعيه، ثم قال: اللهم إلا أن يقال إن اليمين هنا لترجيح أحد السببين كالترجيح بها لاحدى البينتين…
قلت: ولكن لا دليل على كون اليمين مرجحة فيما نحن فيه.
قال: أو يقال: إن لكلّ منهما إحلاف صاحبه، بمعنى أن التحالف أمر راجع إليهما لا يجبر الحاكم عليه ولا يتوقف عليه القضاء بالنصف، بل كلّ منهما ميزان القضاء. وكأن هذا هو الذي فهمه الإصبهاني في كشفه عن المصنف في النافع.
ثم إن صاحب الجواهر تنظّر فيما ذكره كاشف اللثام.
وحاصل كلام (الجواهر) هو اختيار القول الأول(7).
لكن الإنصاف أن القول الثاني غير بعيد، لأن أهل العرف يرون لكلّ واحد منهما يداً على النصف، فتحقق صغرى قاعدة «البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه».
أما حق الدعوى، ففي سقوطه بإسقاط صاحبه تأمل، وعلى فرضه، فإنه لا يحكم الحاكم بكون مورد الدعوى للمدّعى عليه.
وحيث رضي المدعي بيمين صاحبه وحلف، فقد ذهبت اليمين بحقّه، وعلى هذا يمكن حمل القول الثاني، أي إنه مع رضا الخصم بيمين خصمه فلا تداعي بينهما حتى يحلف كلاهما، بل إن حلف الخصم أخذ الكلّ، فلا تنصيف، فالقول بالحلف هو في صورة تحقق التداعي بينهما، لكن يبقى الكلام في كفاية الرضا باليمين هنا، مع أن المورد ليس مورداً حقيقياً لقاعدة المدّعي والمنكر، إلا أن يقال بعموم نصوص «ذهبت اليمين بحقه» لهذا المورد.
ولو لم يكن بينهما تداع وقد ماتا والعين في أيديهما، فهي على النصف بينهما، لعدم التداعي، وعلى تقديره من الورثة، فإن حلف أحدهما دون الآخر برضاه أخذ العين كلّها، وإن تداعيا فالقولان.
وإن ادّعى أحد الشريكين في تركة على الآخر العلم باستحقاق جميع تلك العين بهبة المورّت مثلاً، فهنا يحلف الآخر على نفي العلم.
ولو ادّعى الآخر هذه الدعوى كذلك، وقع التداعي، فيحلفان على نفي العلم.
وعلى القول الثاني، فمن الذي يحلف أوّلاً؟ المتّجه وفاقاً للجواهر يتّصل الأسبق منهما، ومع الاقتران قال: يقدّم من كان على يمين صاحبه، ويحتمل القرعة أو جعل الأمر بيد الحاكم نفسه.

(1) شرائع الإسلام 4 : 110.
(2) كتاب الخلاف 6 : 329 ، المسألة 1 . غنية النزوع 2 : 444 . اصباح الشيعة : 531.
(3) المختصر النافع : 277 . كشف الرموز 2 : 507 . المهذب البارع 4 : 487 . كفاية الأحكام 2 : 725 . مسالك الأفهام 14 : 78 . جواهر الكلام 40 : 403.
(4) وسائل الشيعة 27 : 234 الباب 3 من ابواب كيفية الحكم.
(5) وسائل الشيعة 27 : 233/3 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 3.
(6) سنن البيهقي 10 : 255.
(7) جواهر الكلام 40 : 403.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *