2- لو انكسرت سفينة في البحر فما هو حكم ما خرج منه؟

الثانية

(لو انكسرت سفينة في البحر فما هو حكم ما خرج منه؟)

قال المحقق قدّس سرّه: «لو انكسرت سفينة في البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله، وما أُخرج بالغوص فهو لمخرجه، وبه رواية في سندها ضعف»(1).
أقول: لقد نسب هذا الحكم إلى الأشهر عن الأصحاب، والأصل فيه رواية قال المحقق: في سندها ضعف.
قلت: عمل المشهور بها يجبر ضعف سندها، وهي خبر الشعيري، قال: «سألت الصادق عليه السلام عن سفينة انكسرت في البحر، فأُخرج بعضها بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق منها. فقال: أما ما أخرجه البحر فهو لأهله، الله تعالى أخرجه لهم، وأما ما أُخرج بالغوص فهو لهم وهم أحق به»(2).
إنما الكلام في حكم المسألة بحسب القواعد مع غض النظر عن الرواية، سواء قلنا باعتبارها سنداً بالإنجبار أو قلنا بعدمه لعدم الموافقة على الكبرى أو عدم ثبوت عمل المشهور بها…
قد يقال: إن الوقوع في البحر في حكم التلف وإلا فليس الإخراج بالغوص من الامور الموجبة لانتقال الملك، وحيث كان في حكم التلف فقد خرج عن ملك مالكه، فمن أخرجه ملكه، كما تملك المباحات بالحيازة.
إلاّ أنه مشكل جدّاً.
نعم، إنما يتم في صورة إعراض المالك، بناءاً على كون مجرّد الإعراض مخرجاً عن الملك، وقد استشكل في (الجواهر) في ذلك بأن زوال الملك يتوقف على سبب شرعي كتوقّف حصول الملك عليه(3).
لكن الظاهر: أن العقلاء يعتبرون الإعراض مخرجاً، فمن أعرض عن شيء له خرج عن ملكه عندهم، ولأن «الناس مسلّطون على أموالهم»، لكن الكلام في الصغرى، فإن كان الوقوع في البحر مصداقاً للتلف الذي يزول معه اعتبار الملكية أو مقروناً بالإعراض المخرج عن الملكية، كان ما أخرجه الغائص ملكاً له.
وكيف كان، فالحكم في المسألة ما ذكروه، للخبر المذكور، لانجبار ضعف سنده بعمل المشهور(4) خلافاً للجواهر، واحتمال إرادة كون الجميع لأهله، كما في (الجواهر) وعن بعضهم الجزم به(5)، خلاف الظاهر إنصافاً.

(1) شرائع الإسلام 4 : 109.
(2) وسائل الشيعة 17 : 362/2 . أبواب اللقطة ، الباب 11.
(3) جواهر الكلام 40 : 401.
(4) أقول: هذا سند الخبر: محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي عبد الله، عن منصور ابن العباس، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن أُمية بن عمرو عن الشعيري. وفيه ضعف من جهات، وانجبار ضعفه بالعمل ـ بناءاً على القول به ـ يكون فيما إذا علم بأنه الذي استند إليه الأصحاب وأفتوا على طبقه. لكن في المقام خبر آخر وهو: « محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث عن أمير المؤمنين قال: وإذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله وهم أحق به، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم) وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب اللقطة، وهو في الكافي 5 / 242، وسنده معتبر على ما تقدم منا في بعض تعليقات الكتاب.
والخبر الأول وإن ذكره الشيخ في النهاية ـ وبعض الفقهاء في الكتب الفقهية ـ غير مذكور في التهذيب على ما ذكر مصحح الوسائل حيث قال « ما وجدت غير الحديث الذي رواه الكليني في ج 5 ص 242. ورواه الشيخ في التهذيب سنداً ومتناً » انظر: التهذيب 7 / 219.
وفي الخبر الثاني زيادة على الأول، وهي جملة: « وتركه صاحبه » وفيها إشارة إلى قضية أن الإعراض مخرج عن الملك، ومن هنا يتم حمل الحكم في الأول على هذه القاعدة، ولا حاجة إلى الحمل على اليأس كما في السرائر، وبهذا يظهر ما في كلام المحقق الرشتي من منع كون الإعراض سبباً لخروج المال عن ملك المعرض حتى يتملكه القابض بالحيازة قائلاً: « إذ لا دليل على ذلك »، كما يظهر بذلك كون المقام صغرى للقاعدة بلا كلام.
(5) جواهر الكلام 40 : 400.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *