2 ـ إن كان الحق مالاً

2 ـ إن كان الحق مالاً:
وإن كان الحق مالاً، فتارة: يكون عيناً، وأخرى: يكون ديناً، فإن كان عيناً فقد قال المحقق قدّس سرّه: «من كانت دعواه عيناً في يد إنسان فله انتزاعها ولو قهراً ما لم تثر فتنة، ولا يفتقر إلى إذن الحاكم»(1).
أقول: فالمحقق يقول بجواز انتزاع العين ولو قهراً، لكن قيّده بما لم تثر فتنة، وفى (الجواهر) فسرّ قوله: «ولو قهراً»: «بمساعدة ظالم أو بنفسه» وإن استلزم ضرراً بتمزيق ثوب أو كسر قفل أو نحو ذلك»(2).
لكن ينبغي تقييد مساعدة الظالم بصورة انحصار طريق استنقاذ العين بذلك، بأن لا يمكنه الاستنقاذ بنفسه أو بمساعدة من ليس بظالم، بل يجوز ذلك في صورة الإختيار أيضاً، بل يمكن القول بجواز إتيان الأمر المباح بمساعدة ظالم، وأما إعانته، فقد قلنا في محلّه باختصاص حرمة إعانة الظالم بأن تكون الإعانة في ظلمه.
ولا يخفى، أن المراد من «الظالم» في هذا المقام هو غير «الطاغوت» الذي نهي الرجوع والتحاكم إليه في الكتاب والأخبار، وقد تقّدم البحث عن حكم الرجوع إليه في إحقاق الحق.
ثم قال في (الجواهر): «وإن استلزم ضرراً بتمزيق ثوب أو كسر قفل أو نحو ذلك»(3).
وعن (الإرشاد) جواز الإنتزاع «ولو قهراً مع انتفاء الضرر»(4) وعن (مجمع الفائدة): «ما لم يحصل معه أمر غير مشروع»(5).
قلت: لا ريب في عدم جواز التصرّف في مال أحد إلا بإذنه، فلايجوز الدخول في دار إلا بإذن صاحبها، فإن كانت العين في الدار فدفعها إليه صاحب الدار من دون حاجة إلى الدخول فهو، ولو توقّف أخذها على الدخول وجب الإستيذان منه فإن امتنع فمن الحاكم لأنه وليّ الممتنع، وحيث يمكنه ذلك مع الإذن، فلا دليل على الجواز بلا إذن.
ولا إطلاق لدليل سلطنة الناس على أموالهم، ليشمل مفروض الكلام ونحوه، فإن لم يتمكّن من تحصيل الإذن من الحاكم رفعت قاعدة نفي الضرر حرمة الدخول بلا إذن.
وأما إذا استلزم انتزاع العين ضرراً على من هي بيده، ففيه قولان، ولكن الحق هو الجواز مع التوقّف، فيجوز له انتزاعها حتى مع كسر القفل والصندوق ونحو ذلك.
بل قيل: إن له أن يطالب بحقه ويحاول انتزاعه ممن وضع يده عليه وهو يعلم بكونه لمن يدعيه، مهما بلغ الأمر، إذ لا فرق بين هذه المسألة ومسألة دفع اللّص عن المال حيث يجوز للإنسان أن يدافع عن ماله ويحفظه من اللّص حتى لو انتهى إلى قتل اللّص، ولو قتل هو كان شهيداً كما في الروايات(6)، لكن في (الجواهر): «ما لم تصل إلى حدّ وجوب الكف عن الحق له لترتب تلف الأنفس والأموال وغيره من الفساد الذي يمكن دعوى العلم من مذاق الشرع بعدم جواز فعل ما يترتب عليه ذلك وإن كان مباحاً في نفسه أو مستحباً بل أو واجباً…»(7).
وكيف كان، فالقدر المتيقن من الجواز صورة عدم لزوم الخسارات الكثيرة، مثل تمزيق الثوب وكسر الباب أو القفل أو الصندوق ونحو ذلك، لأن قاعدة نفي الضرر جعلت للإمتنان، ولا مورد لها في هذا المقام.
هذا كلّه في صورة علم من بيده العين بكونها للشخص الذي يدّعيها.
وأما لو كان جاهلاً، فإن طالبه واقتنع بقوله ودفع المال فهو، وإن لم يصدّقه جاز له أن ينتزعه منه قهراً، فإن عجز فلا مناص من الرفع إلى الحاكم، ولو استلزم الانتزاع ضرراً فقد يقال بالجواز لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ليّ الواجد بالدين يحلّ عقوبته وعرضه»(8). وفيه تأمل، لأنه ظاهر في العالم دون الجاهل(9).
ولو كان من بيده العين معذوراً عن دفعها إلى صاحبها، لحبس أو مرض، فهل يجوز له أن يدخل الدار مثلاً ليأخذ ماله؟ لابدّ هنا من إذن الحاكم، لأن المفروض عدم إنكاره للحق وكونه قاصراً عن تسليمه، فيلزم أن يستأذن الحاكم ويدخل الدار مع إذنه، ولو استلزم ضرراً يسيراً جاز كذلك.
وحيث يراجع الحاكم ويقيم البيّنة على دعواه ويثبت حقه، فهل له المبادرة إلى أخذ الحق قبل صدور الحكم من الحاكم؟ قيل: نعم، بناء على حجية البينة للمدّعي.
هذا كلّه في العين.

(1) شرائع الإسلام 4 : 108.
(2) جواهر الكلام 40 : 387.
(3) جواهر الكلام 40 : 388.
(4) إرشاد الأذهان 2 : 142.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 12 : 97.
(6) عن أبي عبد الله عليه السلام: « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من قتل دون عقال ـ عياله ـ فهو شهيد » وعن أبي جعفر عليه السلام عنه: « من قتل دون ماله فهو شهيد » وكذا عن الرضا عليه السلام. وسائل الشيعة 15 : 120 و121 و122/6 و9 و14 . أبواب جهاد العدو ، الباب 46.
(7) جواهر الكلام 40 : 387.
(8) وسائل الشيعة 18 : 333/4 . أبواب الدين والقرض ، الباب 8.
(9) أقول : على أن الإستدلال به يتوقف على إسقاط خصوصية « الدين » وهذا أيضاً لا يخلو عن تأمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *