هل تسمع دعواه أن هذه بنت أمته أو ثمرة نخله؟

هل تسمع دعواه أن هذه بنت أمته أو ثمرة نخله؟
قال المحقق: «ولو ادّعى أن هذه بنت أمته لم تسمع دعواه، لاحتمال أن تلد في ملك غيره ثم تصير له، وكذا لو قال: ولدتها في ملكي، لاحتمال أن تكون حرّة أو ملكاً لغيره»(1).
أقول: ومن فروع اشتراط كون مورد الدعوى حقاً لازماً يدّعيه المدعي بصراحة ووضوح: أنه إذا قال: هذه بنت أمتي، فهل تسمع هذه الدعوى أولا؟
وهذه الدعوى تتصور بوجهين: أن تكون هي بيد زيد وهو يريد أخذها منه بهذه الدعوى، وأن تكون بيده فيدّعيها زيد فيقول هذه بنت أمتي، بمعنى أنه إذا لم يدّع ذلك تثبت دعوى زيد.
وكيف كان، فإن هذه الدعوى أعمّ من أن يكون موردها حقاً لازماً، وحيث أنها ليست صريحة في ذلك فلا تسمع.
وكذا لو ضمّ إلى تلك الدعوى قوله: ولدتها في ملكي، أو ادّعى هذه الجهة دعوى مستقلة، كأن يقول: هذه ولدتها أمتي في ملكي.
قال المحقق قدّس سرّه: «وكذا لا تسمع البينة بذلك ما لم يصّرح بأن البنت ملكه، وكذا البينة»(2).
أقول: وكما لا تسمع الدعوى الصريحة، كذلك لا تسمع البينة غير الصريحة، فإن قالت بأن هذه مملوكة فلان، سمعت، ولو قالت: ولدتها اُمها حالكونها في ملكه، فلا تسمع، لأنه يمكن أن تكون الاُم مملوكة ولا تكون بنتها مملوكة له، كأن يكون قد حرّرها مثلاً.
قوله: «وكذا البينة» ليس تكراراً، بل المراد أنه ما لم يصرّح المدّعي في الدعوى فلا تسئل البينة التي يقيمها، ثم البيّنة لا تسمع شهادتها ما لم تشهد بصراحة، وحيث شهدت بالملك فلا تسئل عن السبب، فيحتمل أن يكون قوله: «وكذا البينة» معطوفاً على «لا يفتقر» المتقدّم عليه.
قال: «ومثله: لو قال: هذه ثمرة نخلي»(3).
أي: فلا تسمع هذه الدعوى لكونها أعم، إلا أن يقول: هذه ثمرة نخلي وهي ملك لي.
قال: «وكذا لو أقرّ له من الثمرة في يده أو بنت المملوكة، لم يحكم عليه بالإقرار لو فسّره بما ينافي الملك»(4).
أقول: ولو قال هذه الثمرة من نخل من هي بيده، فهل له أن يدّعي بعد ذلك كونها ملكاً له؟ نعم، لأن قوله السابق ليس إقراراً بعدم ملكيته وملكية صاحب اليد حتى يكون قوله المتأخر إنكاراً بعد إقرار، فتسمع هذه الدعوى منه ويطالب بالبينة، بخلاف ما لو أقرّ بالملكيّة، فليس له أن يقول بعد ذلك: لكن هي ملكي.
وهذا معنى عبارة المحقق.
وفي (المسالك): ظاهر عبارة المحقق والعلاّمة إنه إذا لم يفسر بالخلاف فهو إقرار(5).
وأشكل عليه في (الجواهر) بعدم ظهور عبارتيهما في ما ذكره(6)، فليس «لو فسّر» قيداً حتى يكون إقراراً.
قلت: وما ذكره صاحب (الجواهر) هو الظاهر.
ثم إن صاحب (المسالك) بعد ما استظهر من العبارة ما ذكر، أشكل على المحقق الفرق بين الإقرار والدّعوى فقال: «والفرق بين الدعوى والإقرار لا يخلو من إشكال، لأن الإحتمال قائم على تقدير الإقرار والدعوى، والعمل بالظاهر في الإقرار دون الدعوى لا دليل عليه، والفرق باشتراط التصريح فيها دونه، رجوع إلى نفس الدعوى، وفي الإرشاد: أطلق عدم سماع الدعوى والإقرار معاً، ولم يعتبر التقييد في الإقرار بتفسيره بما ينافى الملك، وهذا هو الظاهر»(7).
أقول: إن إشكاله وارد بناءاً على ما فهمه من العبارة، لأن الصراحة شرط في كلا الأمرين، إلا أن يقال بأن ظهور الدعوى غير كاف وظهور الإقرار كاف، لكنه مشكل.
هذا، وفي (الجواهر) بشرح: «وكذا لا تسمع البينة…» ما لفظه: «لكنْ عن لقطة المبسوط والتذكرة: سماع الدعوى والبينة في الثاني، بل عن الأخير الإجماع عليه، ولعلّه لأصالة تبعيّة النماء للمال حتى يعلم خلافه، وهو كذلك حيث لا يكون لآخر يد تقضي بالملكية لها وإلا انقطع بها الأصل المزبور، كما انقطع بها ما هو أقوى من ذلك، وكلام الأصحاب هنا في الدعوى على آخر»(8).
قلت: إن محلّ البحث هو أن تكون بنت أمة زيد بيد عمرو، فيراجعه استناداً إلى كون الام عنده، فالإرتكاز يتبع ما إذا لم يقم في مقابله دليل كاليد.
والأردبيلي أمر بالتأمل في المقام بعد أن ذكر عدم السماع(9).
ولعلّ وجهه: إمكان القول بالسماع، لأن من ملك النخلة فقد ملك تمرها عند العرف إلا أن يقوم دليل، ولذا تسمع هذه الدعوى في الملك القديم السابق على اليد، فيلزم صاحب اليد بإقامة البينة على انتقاله إليه بالبيع مثلاً.
لكن هذه المطالب ليست تعبديّة بمعنى قيام إجماع أو دلالة نص عليه، بل الذي يريدون إثباته كون الدعوى صريحة، فإن كانت الملازمة العرفية و التبعية بين الثمرة والنخلة أو بين الأمة والبنت تامة فهو، وإلا لزم البيان و الكشف عن سبب الملك، والظاهر تمامية هذه الملازمة ما لم يكن الفرع بيد غيره، لأن اليد دلالتها على الملكيّة أقوى من الملازمة المذكورة.
قال المحقق: «ولا كذلك لو قال: هذا الغزل من قطن فلان أو هذا الدقيق من حنطته»(10).
أقول: يعني إن مثل هذه الدعوى ظاهر في الملكية ولا حاجة إلى التصريح، للفرق بين الثمرة والنخل وبين الغزل والقطن، فهناك المغايرة حقيقيّة وهنا هي في الصورة فقط، فالدعوى تسمع وعليه إثباتها كسائر الدعاوى.

(1) شرائع الإسلام 4 : 107.
(2) شرائع الإسلام 4 : 108.
(3) شرائع الإسلام 4 : 108.
(4) شرائع الإسلام 4 : 108.
(5) مسالك الأفهام 14 : 67 ، بتفاوت .
(6) جواهر الكلام 40 : 386.
(7) مسالك الأفهام 14 : 67.
(8) جواهر الكلام 40 : 385.
(9) مجمع الفائدة والبرهان 12 : 119.
(10) شرائع الإسلام 4 : 108.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *