هل يلزم بالجواب عن دعوى الإقرار؟

هل يلزم بالجواب عن دعوى الإقرار؟
قال المحقق: «وفي الإلزام بالجواب عن دعوى الإقرار تردّد، منشؤه أن الإقرار لا يثبت حقاً في نفس الأمر، بل إذا ثبت قضى به ظاهراً»(1).
أقول: لو ادّعى زيد على عمرو الإقرار له بشيء، كأن يقول له: قد أقررت بكون هذه الدار لي، أو يقول: لقد أقررت بأني غير مدين لك، فهل يلزم الحاكم عمراً بالجواب عن هذه الدعوى؟ وجهان بل قولان، تردّد المحقق قدّس سرّه بينهما.
وجه عدم الإلزام هو: أن الإقرار لا يثبت حقاً واقعياً للمقرّ له، لأن الإقرار ف وإن ألزم الشارع المقرّ بما أقرّ على نفسه ـ ليس طريقاً لإثبات الحق بحيث يرفع شك المقر له في تملّك المقرّ فيه، فلو أقر له بكون الثوب له وكان المقر له جاهلاً أو شاكّاً في ذلك، لم يرتفع معه الجهل أو الشك، لأن أثر هذا الإقرار هو الحكم الظاهري فقط بجواز تصرّفه في الثوب، فإذا لم تكن الدّعوى مثبتة لحق لازم ولم يكن الإقرار موجباً لحق واقعي، فإنه مع عدم البينة للمدّعي على الإقرار ـ لا تسمع الدعوى، ولا يحلف المدّعى عليه على إنكاره، ولا يكون نكوله عن اليمين مثبتاً للدعوى.
ووجه الإلزام هو: أن المراد من الحق اللازم كون الدعوى ذات نفع للمدّعي، والمفروض جواز تصرّفه في المدّعى به ظاهراً مع ثبوت الإقرار بأحد المثبتات، ولا يلزم أن يكون مورد الدعوى مالاً أو سبباً لانتقال مال، بل إنّ ترتب الأثر المذكور ـ وهو الحكم بجواز التصرف ظاهراً ـ على الإقرار كاف لصحة الدّعوى عند الحاكم كي يلزمه بالجواب.
وظاهر المحقق في المقام هو التوقّف، بخلاف الفرع السابق حيث قال «أشبهه عدم التوجّه».
واستقرب الشهيد الثاني في (المسالك) تبعاً لجماعة الوجه الثاني(2).
واختار المحقق العراقي الأول فقال: إن الوجهين «مبنيان على أن الأحكام الظاهرية، هل فعليتها فرع وصولها إلى المكلّف بحيث لولاه لا تكون فعلية بعثية، بخلاف الأحكام الواقعية من الوضعيات والتكليفيّات، إذ فعليتها الواقعية ليست تابعة لوصولها، غاية الأمر لا تنجّز لها.
وحيث قد حققنا في محلّه عدم تبعية فعليتها للوصول، فلا بأس بسماع مثلها…».
وفي (الجواهر) وجّه الوجه الثاني بقوله: «لأن المدار على ثبوت الحق ظاهراً، فنكوله عن ذلك يثبت عليه الحق أو مع يمين المدعى الذي يجوز له الحلف عليه والأخذ به، وإن لم يعلم استحقاقه من غير جهة إقراره الذي له الأخذ به ما لم يعلم كذبه، لجواز استناده إلى سبب لا يعلم به، ولأنه إذا سمعت دعواه بالبيّنة توجّه له اليمين على عدمها، لعموم قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم(3): البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه».
ثم قال: «نعم، قد يقال بعدم إلزامه باليمين على نفي ذلك بخصوصه، إذا بذل اليمين على براءة ذمته الذي يأتي على ذلك كلّه، نحو ما تسمعه في عدم إلزامه بجواب دعوى أنه أقرضه أو باعه بثمن في ذمته أو نحو ذلك، معللين له بإمكان أدائه له والعجز عن إثباته، فيكفي جوابه ببراءة ذمّته مما يدعيه عليه، فإنه يأتي على ذلك كلّه، ومثله آت هنا.
اللهم إلاّ أن يفرّق بأن الدعوى في الأول الشغل بسبب في الواقع، فيكفي في جوابه نفي الواقع، بخلاف الثاني، فإن الدعوى فيه بصدور سبب من المدّعى عليه يؤخذ به وإن لم يعلم الواقع.
وفيه: إن الإقرار كما يؤخذ بظاهره وإن لم يعلم صحته وقد ادّعاه على خصمه، كذلك البيع عليه مثلاً، له الأخذ بظاهره أيضاً ما لم يعلم فساده وقد ادّعاه على خصمه، فكما لا يلزم هناك الجواب بنفي البيع ويكفيه الجواب ببراءة الذمة كذلك هنا، فتأمل»(4).
أقول: والأقرب هو الوجه الأول، إذ ليس كلّ دعوى يلزم الحاكم بسماعها والنظر فيها، بل الدعاوى المتعلقة بأموال الناس ونفوسهم وأعراضهم، فيلزم أن يكون مورد الدعوى شيئاً يزعم المدّعي تعلّقه به. وبعبارة اخرى: لابدّ أن تكون نتيجة الدعوى والمرافعة إثبات حق يدّعيه المدّعي وجلب نفع إلى نفسه أو دفع ضرر عن نفسه، وكلّ دعوى تكون كذلك يجب على الحاكم سماعها، وأما في المورد الذي يتحقق النفع ويثبت للمدّعي بنفس الحكم الصادر من الحاكم ـ وأما قبله فلا يوجد شيء ـ فيلزم الدور، لأن نظر الحاكم في ذلك المورد ثم حكمه يتوقف على تحقق الحق من قبل، وتحقق الحق يتوقف على الحكم نفسه.

(1) شرائع الإسلام 4 : 107.
(2) مسالك الأفهام 14 : 62
(3) وسائل الشيعة 27 : 234/5 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 3.
(4) جواهر الكلام 40 : 382 . ظاهر كلامه أنه متأمل في كفاية اليمين على براءة الذمة عن اليمين على نفي الإقرار بالدين مثلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *