هل تسمع دعوى المنكر فسق الحاكم أو الشهود؟

هل تسمع دعوى المنكر فسق الحاكم أو الشهود؟
قال: «ولو ادّعى المنكر فسق الحاكم أو الشهود ولا بينة، فادّعى علم الشهود له، ففي توجه اليمين على نفي العلم تردّد، أشبهه عدم التوجّه، لأنه ليس حقّاً لازماً، ولا يثبت بالنكول ولا باليمين المردودة، ولأنه يثير فساداً»(1).
أقول: لو لم يكن مورد الدعوى مالاً كقوله: لي عليك كذا من المال، ولا سبباً كالبيع كقوله: هذا المال الذي بيدك قد بعتني إيّاه، بل ادّعى أمراً له فيه نفع من حيث إثبات حق له أو إسقاط حق عليه، كأن يدّعي المنكر فسق الحاكم الذي حكم عليه أو فسق الشهود الذين استند إليهم المدّعي وحكم الحاكم طبق شهادتهم.
أما لو ادّعى فسق الشاهدين، فله طرح دعواه عند نفس الحاكم، كما أن له طرحها عند حاكم آخر، فإن كان له بيّنة أقامها، وبذلك يزول الحكم الذي أصدره الحاكم حسب شهادتهما، وكذا لو تمكّن من إثبات كذب الشاهدين، أي كذبهما في قولهما بأن هذا المال لزيد المدّعي… لكن لا يسقط حق المدّعي بثبوت فسقهما أو كذبهما في هذه الشهادة. وإن لم يكن عنده بينة، فهل يؤثر علم المدعى بفسقها في زوال الحكم كذلك؟
إن أقرّ بذلك، فلا إشكال في أنه يؤخذ بإقراره، ولا يجوز له الإستناد إلى الحكم في أخذ ما يدّعيه على المنكر، وإن لم يقر، فالحكم باق على حاله وله أثره من ثبوت الحق وفصل الخصومة، نعم، مع علم المدّعي بفسق الشاهدين لا يجوز له ترتيب الأثر مع تردّده في كون مورد الدّعوى له واقعاً، وأما مع علمه بكونه له كذلك، فحيث يحكم الحاكم له وهو لا يقرّ بفسق شهوده يجوز له التصرّف.
وحينئذ، فلو ادّعى المنكر عليه العلم بفسق الشاهدين، لم تسمع هذه الدعوى، ولم يتوجّه على المدّعي اليمين بنفي العلم، كما لا يثبت ذلك بنكوله عن اليمين ولا باليمين المردودة على المنكر، لأن توجّه اليمين على المدعي المشهود له ليس حقّاً لازماً للمنكر، ولأنه يوجب التزلزل في الأحكام الصادرة من الحكّام ويؤدّي إلى التسلسل.
وقيل: تسمع هذه الدعوى، فله أن يحلّفه، لأنها دعوى فتشملها عمومات «البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه»(2)، ولأن لها أثراً بالنسبة إليه.
وفيه: إنه إذا لم يلازم علمه بفسق شاهديه زوال الحكم الصادر، لم يكن للمدّعى عليه اثر في دعوى علم المشهود له بفسق الشاهدين، فلا تسمع هذه الدعوى.
وأمّا لو ادّعى فسق الحاكم، وكان له بينة، فله أن يطرحها عند حاكم آخر، قيل: ويشترط أن يصرّح في طرحه الدّعوى على فسق الحاكم الأول بوجود البينة، كأن يقول له: عندي شهود على فسق فلان الحاكم.
وأما مع عدم وجود البينة فلا تسمع دعواه مطلقاً، ولا أثر لها مطلقاً، وفاقاً للمحقق قدّس سرّه، فإنه لا يبطل الحكم بحال، نعم، في دعوى الزوجيّة لو أقام البيّنة وحكم له، ثم ادّعت عليه المرأة ـ قبل الحكم أو بعده ـ العلم بفسق الشاهدين فأقر، لم يجز له الأخذ بهذا الحكم، وأما لو كان متيقناً بأنها زوجته، وجبت عليه النفقة مع المطالبة، أخذاً بإقراره وإن لم يجز لها إلزامه، لفرض بطلان الحكم بفسق الشاهدين.

(1) شرائع الإسلام 4 : 106.
(2) وسائل الشيعة 27 : 234/5 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 3.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *