الشروط المعتبرة في المدّعي: (البلوغ)

الشروط المعتبرة في المدّعي: (البلوغ)
وكيف كان، فقد ذكر المحقق قدّس سرّه الشروط المعتبرة في المدّعي بقوله: «ويشترط فيه: البلوغ، والعقل، وأن يدّعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه، وما يصح منه تملّكه، فهذه قيود أربعة، فلا تسمع دعوى الصغير»(1).
أقول: الشرط الأول الذي ذكره هو «البلوغ» ثم قال: «فلا تسمع دعوى الصغير» وعندنا في اعتبار هذا الشرط بنحو الإطلاق تأمّل ونظر إلا أن يكون إجماع، لأن دعوى انصراف أدلّة القضاء عن دعوى غير البالغ، ضعيفة، لأن الغرض من نصب القاضي حفظ الحقوق والنظام، وإن الله عز وجل لا يرضى بضياع حقوق غير البالغين، ومثلها دعوى أن المتبادر من أدلّة القضاء وسماع الدعوى هو كون المدّعي بالغاً، فإن في تلك الأدلة عمومات وإطلاقات تشمل الصغير قطعاً، كقوله تعالى: (فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)(2)، ومع وجود هذه الأدلة لا وجه للتمسك بالأصل كما في (المستند)(3).
وأما قوله ـ في توجيه عدم سماع دعوى الصغير ـ بأنه قد يحتاج إلى امور يشترط فيها البلوغ مثل إقامة البينة.
ففيه: إنه لا دليل على اشتراط البلوغ في إقامة البينة، فإذا أقامها الصغير على طبق الموازين الشرعية فلا وجه لعدم قبولها، والأدلة الرافعة لآثار قول الصبي منصرفة عن كون مورد دعواه ظلم أحد له كالضرب ونحوه، نعم، الإعتبارات المحتاجة إلى الإنشاء غير مسموعة منه، كما أنه إذا وصل الأمر في المخاصمة إلى اليمين فلا يحلف ولا يحلّف.
وبعبارة اخرى: البلوغ ليس شرطاً في أصل الدعوى، فإن دعوى الصغير تسمع، لكن الامور المترتبة وأحكام فصل الخصومة وموازين القضاء، يشترط في بعضها البلوغ، كالحلف والإقرار، فلا يحلف ولا يحلّف ولا يترتب الأثر على إقراره، وحينئذ، يقوم وليّه مقامه في هذه الامور، وبعضها لا يشترط فيه البلوغ كإقامة البينة، وحينئذ، يترتب الأثر لعموم الأدلة، وانصراف «عمد الصبي خطأ»(4) ونحوه عن مثل ذلك.
بل قال المحقق الكني قدّس سرّه(5): إن الأصحاب لم يعملوا بهذه الأدلّة واعتبروا قول الصبي في موارد، كقبول قوله في إنبات الشعر بالعلاج، وكما لو أوقع معاملة فقال البائع ببطلانها لكونه صغيراً فادّعى البلوغ فإنه تسمع دعواه ويحكم بصحة المعاملة. نعم، إن كان متعلّق دعواه مالاً فلا تسمع، لأجل الصغر، لأنه لا سلطنة له على مال، فلا سلطنة له على دعوى متعلّقة بالمال، فعدم سماع دعواه حينئذ يكون من هذا الحيث لا من جهة أن الصبي مسلوب العبارة، لكن الدّعوى ليست من شئون المطالبة بالمال، فإنه إذا أثبت المال بالبيّنة أمكن أن يباشر المطالبة وليّه أو الحاكم نفسه، وليس إثبات تملّك المال تصرفاً فيه حتى يقال بعدم السلطنة له على المال، ولذا يجوز للأجنبي أن يثبت مالاً لغيره، فيكون ذلك في الحقيقة كالكشف لأمر مخفي.

(1) شرائع الإسلام 4 : 106.
(2) سورة ص 38 : 26.
(3) مستند الشيعة 17 : 144.
(4) كتاب الخلاف 2 : 361/197 ، 5 : 175/39.
(5) كتاب القضاء : 425.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *